أحمــــد قاســــم :
منذ إندلاع الثورة السلمية في سوريا والأسد طرح مبدأ الحوار مع المعارضة, في وقت كان العنف هو الخيار الوحيد لديه, متهماً المعارضة بالعملاء والمتآمرين على سوريا كدولة . لقد اختار الأسد بعضاً من المثقفين والإنتهازيين الذين كانوا بالأساس ملحقاً للنظام وأجهزته الأمنية كمعارضة وطنية, اختار الحوار معهم لوضع برنامج اصلاحي يدفع به سوريا
نحو التغيير السلمي بقيادة بشار الأسد. وكانت أول محاولة منه انعقاد مؤتمر تشاوري بقيادة فاروق الشرع في منتجع الصحارى بريف دمشق. حقيقة الأمر, كان سيناريو بأعلى درجة من الهزلية وتصغير عقول الناس إلى جانب استمرار العنف وقتل المتظاهرين بالعشرات واعتقال المئات منهم كل يوم .
إن مبدأ الحوار لايمكن رفضه بأي حال من الأحوال في إطار تحقيق مطالب الشعب التي إندلعت من أجلها هذه الثورة, والتي كانت سلمية ومطلبية, إلا أنها ما لبثت أن تحولت إلى رفع شعار إسقاط النظام بعد أن أكد بشار الأسد في كلمته نهاية شهر آذار عام 2011على أنه لن يتخلى عن الخيار الأمني وعلى المتظاهرين الرجوع الى منازلهم وإعطاء الفرصة الى الحكومة للبدء بالإصلاحات كما تراها ضرورية. حيث تضاعفت عدد القتلى والجرحى والمعتقلين طوال ستة أشهر, مما أدى إلى ردود فعل من قبل الجماهير والعديد من عناصر الجيش الذين رفضوا قتل الناس المدنيين العزل, والبدء باستعمال السلاح دفاعاً عن النفس وعن المتظاهرين, حيث بدأت الإنشقاقات في صفوف الجيش والبدء بالعمليات العسكرية ضد تدخل الجيش والأمن لقمع المتظاهرين السلميين. أما موضوع الحوار كان يستعمل للإعلام من دون أن يتقرب الأسد الى جوهر الأزمة من خلال رفضه رفضاً قاطعاً على أن هناك ثورة اندلعت على خلفية إعتقال وتعذيب الأطفال في درعاة بشكل وحشي. وبالتالي كان لابد أن تتوسع الإحتجاجات إلى أن شملت كل المدن السورية تقريباً. وأخذت الثورة شكلاً مسلحاً في مواجهة آلة القتل الأسدية بكافة أشكالها وأنواعها, إلى أن استخدمت الطائرات والمدافع والصواريخ لقصف المدن والأحياء المنتفضة بشكل وحشي وهمجي وعشوائي. إلى أن وصلت ما وصلت إليها سوريا اليوم, حيث أكثر من 65 الف قتيل وأضعاف أضعافه من الجرحى ومئات الآلاف من المعتقلين والمفقودين واكثر من 700 الف مهاجر خارج البلاد والملايين من المهجرين داخل سوريا والكارثة تكبر... ومع ذلك أصبح الحوار اليوم شعاراً تتمسك به كل الأطراف.. ولكن كل حسب فهمه ومنطلقه ومنطقه للحوار.
لقد استعمل الأسد مبدأ الحوار كتكتيك وكورقة ضاغطة على المعارضة حسب فهمه, في الوقت الذي كان يرفض التعامل مع المعارضة الخارجية, أما الداخلية عليها أن تلتزم ما يطرحه الأسد من مباديء, لهذا السب لم تولي المعارضة الإهتمام بطروحات الأسد. وكانت المعارضة قد رفعت شعار اسقاط النظام منذ مؤتمر انطاليا في تركيا في 2011\6\1 . ورفض قبول الحوار مع من تلطخت أيديهم بدماء الشعب السوري. وتزامناً مع طرح الحوار استخدمت روسيا في دبلوماسيتها أيضاً مبدأ الحوار مع الأسد كنظام وطرف مشارك للمرحلة الإنتقالية المقبلة, كانت تهدد مجلس الأمن بالفيتو في وجه اي قرار سيتخذه ضد النظام السوري, حيث استخدمت ثلاث مرات وأجهضت أعمال مجلس الأمن تجاه سوريا.
الآن, الكل يطالب الحوار.. روسيا وإيران تطالبان الحوار من أجل إيجاد صيغة توافقية بين النظام والمعارضة لتشكيل حكومة انتقالية بشرط أن يبقى الأسد على رأس عمله لإنتهاء مدته الدستورية ومن حقه أن يرشح نفسه للرئاسة مقابل مرشحين آخرين, سعياً منهما أن يفلت الأسد من الملاحقة القانونية لإرتكابه جرائم حرب وإنسانية ضد شعبه... أما الطرف الآخر وهي أمريكا وأوروبا ومن معهما يشددون على حل سياسي عن طريق إقامة حوار بين المعارضة والنظام على أن يكون الأسد خارج هذا الحوار مع محاسبة الذين تلطخت أياديهم بدماء الشعب السوري.. وهذا ما يؤكد عليه الأخضر الإبراهيمي...أما الشارع فله رأي ثالث, وهو اسقاط النظام بكافة رموزه ومؤسساته وعلى رأسه بشار الأسد... أما الحوار سيقام مع من لم يشارك في قتل المتظاهرين والناس الأبرياء من السلطة حفاظاً على مؤسسات الدولة وبنيتها الأساسية في المرحلة الإنتقالية بعد إسقاط النظام وتقديم المجرمين إلى المحاكم العادلة.
فهل سيشق مبدأ الحوار طريقه بين الأطراف للجلوس حول طاولة مستديرة برعاية دولية للوصول الى حل سياسي وإنهاء الأزمة في سوريا ...؟ أم أن الحوار أصبحت ورقة في الوقت الذي لايملك أحداً من الأوراق الضاغطة ضد الآخر, فقط منطق السلاح هو سيكون مسيطراً على المشهد إلى آخر المطاف وليكن ما يكون؟
الأيام والأسابيع القادمة ستكون كفيلة بما ستحملها من متغيرات ومفاجآت أكثر دموية.
أحمـــــــد قاســـــــــم
الكاتب والسياسي الكوردي السوري 5\2\2013