عائدون بحلة جديدة

موقع قيد الانشاء

أحمد قاسم : أوجلان الفاعل ينتظر الرد المنتج


أحمد قاسم :


قضية الشعب الكوردي في الجزء الشمالي من كوردستان ( كوردستان تركيا ) تستنزف الكثير من ميزانية الدولة التركية أولاً, وتبقى عائقاً أمام تجولات تاريخية للمجتمع التركي برمته إن لم يجد لهذه القضية من حلول تنهي النزاع المسلح على أرضية توافقية بين الطرفين من المجتمع والدولة في آن معاً للذهاب إلى مشروع يتضمن الإعتراف بأحقية وجود شعب يعيش على أرضه منذ آلاف السنين على تخوم الأناضول في حدودها الشرقي والجنوبي لتشكل جغرافية تركيا اليوم بالإضافة إلى الجزء الأناضولي على إمتداد نحو الغرب لتجاور الحدود الشرقية لأوروبا.. كان من الممكن تجاوز هذه القضية بهذه الشاكلة من التعقيد لو تم التقيد باتفاقية سيفر وتنفيذ بنودها الخاصة التي حددت مصير الكورد آنذاك بعد إنهيار الدولة العثمانية وتقسيم تركتها الجغرافية على اساس تشكيل دول إعتماداً على إتفاقية سايكس ـ بيكو المشهورة. إلا أن حكومة مصطفى كمال رفضت ذلك لتحل محل سيفر إتفاقية لوزان عام 1923, حيث أهملت فيها قضية الشعب الكوردي, لتكون برميل بارود ينفجر في أية لحظة عند سخونة الموقف والضغط المركز على حقوق هذا الشعب الذي أبى أن ينصاع لأية إتفاقية لم تتضمن حقوقه المشروعة على أرضه ( كوردستان ). لذلك, ومنذ توقيع إتفاقية لوزان , وإنكار حقوق الكورد في إطار الدولة التركية لم يستقر الحال في القسم الكوردستاني من تركيا, لتشاهد حركات إحتجاجية وإنتفاضات شعبية وثورات تطالب بالحقوق القومية للشعب الكوردي في ظل دولة تشاركية ديمقراطية تتساوى فيها القوميتين الكوردية والتركية بالحقوق والواجبات. إلا أن الحكومات التركية المتعاقبة التزمت بنهج الكمالية على أساس صهر كافة القوميات الأخرى في بوتقة القومية التركية وخاصة الكوردية منهم وفق النظرية النازية , وعلى الطريقة الكمالية. 

إن نتيجة إنكار الوجود الكوردي منذ نشأة الدولة الكمالية التركية أدت إلى استنزاف نصف طاقات الدولة الإقتصادية والإجتماعية والفكرية والثقافية على خلفية تهميش ممنهج ومبرمج لطاقات المكونات الغير التركية. مما جعلت من تركيا دولة فقيرة وعليها مديونيات تتصاعد كل عام لتنهك موارد الدولة بشكل تفوق التقديرات, حبث كانت ولايات المتحدة الأمريكية تساندها لمنع وصولها الى حد الإنهيار. خوفاً من أن تقع إلى الحاضنة السوفيتية في مراحل الحرب الباردة, وهي تجاور الإتحاد السوفيتي من الجنوب لتكون الجبهة المتقدمة لحلف الناتو في مواجهة السوفيات. وإنطلاقاً من أهميتها الجغرافية , كانت دول حلف الناتو وعلى رأسها الولايات المتحدة تعارض أية حركة تقدمية أو يسارية أو قومية خوفاً من فقدان موقع الحلف في تلك البقعة الجغرافية الإستراتيجية بالنسبة لأمن الحلف. وبالمقابل, أهملت الإتحاد السوفياتي تلك الحركات التي تعارض النظام التركي تقيداً بمباديء التوازن الإستراتيجي بين المعسكرين الشرقي والغربي, وبالتالي تبقى الحركات التقدمية والديمقراطية والقومية ضحية التوافقات بين المعسكرين. وهكذا جمدت الحالة الكوردية في تركيا لتكون كوردستان جغرافية منسية بعيدة عن الركب الحضاري والتطورات التي كانت تحصل في تركيا, إلى أن ولدت بين أبنائها حركة راديكالية يسارية لا تنقصها عقلية توازي عقلية الآتاتوركية في الفكر والممارسة , ويكون على رأس هذه الحركة شاب شرب من الفكر الماركسي على الطريقة الكمالية , ليظهر فيما بعد بالمتطرف والمتمرد يلعب على العديد من الأوتار المتناقضة ويتبنى نظرية ( الغاية تبرر الوسيلة ) ببراغماتية متناقضة تلاحق المكان والزمان في ممارساته وعلاقاته المعقدة. إنه ( آبو ... عبدالله أوجلان ) الذي أعلن الحرب على تركيا منذ ولادة حركته باسم حزب العمال الكوردستاني عام 1978 وليطلق أول عملية في ـ أرو ـ عام 1984 وبدون توقف إلى يومنا هذا. 

ولكي لا أخوض غمار التاريخ لتلك الحركة , حيث أوجلان يقود حزبه من معتقله في امرالي ويفاوض الحكومة التركية التي انصاعت إلى إرادة قيادة حزب اوجلان لفتح الحوار معه بعد أن رفضت رفضاً قاطعاً إجراء أي حوار مع أوجلان الذي اتهم بالإرهاب.. اضطر أردوغان أن يتنازل عن غروره بعد أن كشف, أن هناك محوراً يتشكل في داخل تركيا من اثنيات ومذاهب وبدعم من إيران وروسيا ربطاً بالنظام السوري قد تنتقل الصراع المذهبي والقومي من سوريا إلى تركيا, وإن اكتملت قواعد ذلك المحور قد تفجر تركيا وتشمل كافة المناطق لتشعل ناراً يصعب إطفائه وتقدير نتائجه, وقد يؤدي إلى انهيار الدولة التركية بالأساس. حيث معالم المحور تبرز في تفاهمات بين الكورد والعلويون الأتراك وبعض من الإثنيات الأخرى كالأرمن والمسيحيين . 

من هنا كانت مخاوف أردوغان على مستقبل تركيا محقة, ليهرول إلى اللقاء مع أوجلان الذي خوله حزبه أن يتفاوض مع الحكومة التركية من دون غيره . حيث أن أوجلان قرأ المرحلة قراءة دقيقة بتفاصيلها المعقدة, وأراد أن ينتهز الفرصة قبل إسقاط النظام في سوريا مكملاً مسيرته المتناقضة والسير على إتجاهين متناقضين بمغامرة تعود عليها خلال مسيرة نضاله. أعتقد أن أردوغان وقع في فخ تكتيكاته السابقة التي لم تبقى ملائمة مع ما يجري اليوم على الأرض. وأن ترقيعاته التي أراد من خلالها غدر الكورد وإسقاطه في فلك أحلامه لم تجدي نفعاً.. إذاً على أردوغان أن يتماشى مع السلام الذي أطلقه عبدالله اوجلان, ويتجاوب مع رسالته التي اطلقها في احتفال نوروز في عاصمة كوردستان ( آمـــــد ).. حيث أن كل المؤشرات والدلائل تشير وتدل على أن أوجلان صادق في مشروعه السلمي إلى حد إلقاء السلاح قبل أن يبادر أردوغان بتقديم خطوة نحو حزب أوجلان, ليبرهن بأنه جاد في الحرب وفي السلام أيضاً ليحاصر أردوغان من كل الجهات ويضعه في قفص قد لا ينقذه إلا القبول بالحل السلمي مع الكورد وإحقاق حقوقه دستورياً, وخلاف ذلك سيورط تركيا في أتون حرب لن ينتهي إلا عند حدود تمزيق تركيا. 

أوجلان يفعل من معتقله , مقرر وفاعل ينتظر ردة فعل الحكومة التركية المنتجة والمثمرة, لتختار ما تنقذه من لهيب على حدودها, إما العمل باتجاه الحفاظ على وحدة التراب والشعب التركي على أرضية إحقاق الحقوق القومية للشعب الكوردي دستورياً, أو المغامرة بمستقبل تركيا لتضيع هذه الفرصة طالما تقدم بها أوجلان وحزبه. وقد لا تتكرر ثانية بعد فواتها. 

أحمـــــــــد قاســـــــــم 
الكاتب والسياسي الكوردي السوري 19\4\2013



جميع الحقوق محفوظة @ 2015 صـــوت الكـــــورد sawtalkurd .

التصميم من قبل Sawtalkurd | ألوان