أحمـــد قاســم :
من دون أي شك أن النظام السوري بقيادة بشار الأسد لن يتخلى عن موقعه ولو دمرت سوريا بالكامل وأفرغت من سكانها بين قتيل أو مهاجر, ليبقى الأسد ومن معه. وفي المقابل, اختار غالبية الشعب السوري إما الخلاص من هذا النظام المستبد الذي حكم البلاد بالحديد والنار وارتكب الإجرام بحق هذا الشعب, أو الموت أو الهجرة رافضاً بشكل
قطعي التعايش والتصالح مع هذا النظام الذي اكتسب عداوة الشعب له جراء أفعاله وأعماله التي تجاوزت كل المقاييس من حيث القتل الممنهج وارتكابه لقتل عشرات الآلاف من المواطنين المعارضين له وتدمير المدن جراء قصفه العشوائي بالطيران والصواريخ والمدافع الثقيلة.
انتهج النظام اسلوبين لقمع المعارضة وإخضاع الشعب لغطرسته الغير محدودة. اسلوب إيراني على شكل تنظيم عصابات للقتل والخطف والإرهاب , واسلوب روسي استخدمته روسيا في قمعها للشعب في شيشان. واسلوب آخر كان يمارس ضد الشعب منذ عشرات السنين عن طرق ترك الشبيحة بين المواطنين لإرهابهم ووضعهم تحت السيطرة. هذاه الأساليب تمت إتباعها منذ بداية الثورة بالتنسيق مع خبراء إيرانيين والروس من اكتراث لأي قرار دولي أو مراعاة لحقوق الإنسان حسب مواثيق دولية, بل الأكثر من ذلك أن الأسرى والمعتقلين والمختطفين يتم تصفيتهم بالقتل الجماعي ورميهم في الشوارع لزرع الرعب في نفوس المواطنين, حيث تحولت حدائق المدن إلى مقابر جماعية, والمدن إلى ركام, وأبسط حاجيات الإنسان لإستمرارية العيش من المواد الغذائية اصبحت نادرة لينتشر المجاعة بشكل لايتصورها العقل.
وسط هذا المشهد المأساوي, والحالة الإنسانية القاسية والصعبة تتحرك الدبلوماسية الدولية في دائرة البحث عن مخرج لإيقاف العنف في سوريا. حيث وضعت روسيا المجتمع الدولي في حالة الشلل التام إثر استعمالها حق النقض برفقة الصين ضد أي قراريلزم النظام السوري وقف العنف ضد شعبه والتحول إلى مرحلة انتقالية للتغيير السلمي التدرجي كما يطرحه النظام السوري بغية الإلتفاف على الثورة التي عمت كل المدن في البلاد. وتطوراً للأحداث بعد أن تشكل جيش الحر وامتلاكه للسلاح من أجل مقاومة النظام والدفاع عن المتظاهرين, عمت الفوضى في البلاد بشكل منظم لتتشكل عصابات من جميع الفئات. منها من تسرق, ومنها من تختطف المواطنين للمطالبة بالفدية, ومنها من تغتصب النساء, ومنها من تقتل وتعربد باسم جيش الحر, ومنها تابعة لتنظيمات اسلامية متطرفة عنفية تريد أن تخطف الثورة لتشكيل إمارات إسلامية في بلاد الشام حسب زعمهم.....
واستدراجاً للأحداث, وتحول المشهد العام إلى حالة توحي بأن ما يجري في سوريا هوبداية للحرب الأهلية الطائفية, ليتطور إلى حروب أهلية دينية وطائفية وعرقية, أصبحت مخيفة لدى المجتمع الدولي لإجباره على التحرك واتخاذ قرار ما يجب اتخاذه من أجل وقف العنف ونزيف الدم الذي يسيل في جميع أنحاء سوريا. ومن المؤكد إن لم تتوقف الحالة هذه ستتجاوز الحدود السورية لتشعل المنطقة برمتها وتهدد الأمن والإستقرار الدوليين. لكن من المؤسف جداً أن روسياً في موقفها المتعنت والمساند للنظام السوري تضع المجتمع الدولي بين خيارين لا ثالث لهم, إما الوقوف على الحياد, أو ستدفع الأمور باتجاه قد يستحيل على المجتمع الدولي إحاطتها ومحاصرتها, وستكون اكثر خطورة مما نراه الآن. من هنا نرى أن الأطراف الدولية المعنية تدور في دائر تشوبها الحياد في الموقف, ولو أنها ظاهرياً تؤيد الثورة السورية وقد تدعمها في الجانب الإنساني وإغاثة المنكوبين عن طرق إرسال مواد غذائية وطبية وأدوية وما الى هنالك من مستلزمات إنسانية, إلا أن ذلك لم يغير من الأمر شيئاً, بل بالعكس إنها تزيد من غطرسة النظام ودفعه نحو المزيد من العنف ضد شعبه لإركاعه بقوة السلاح ومن جميع أنواعه البرية والبحرية والجوية. إنها حرب إبادة جماعية ضد العزل من المواطنين. وهناك من الدول تريد المزيد من التدمير في سورياً لجعلها منطقة للنزاعات الأهلية بين مكوناتها المختلفة من خلال تعميق الخلافات بين معارضاتها وتحجيم تلك المعارضات لتأخذ أشكال كانتونات طائفية ومذهبية ودينية وقومية تتصارع فيما بينها إلى أجل غير محدود.
وخلاصة القول, أن ما نراه في سوريا من أحداث, أعتقد أننا نواجه حالة فريدة من نوعها في العالم أجمع. حيث العنف المستمر بشكل جنوني من قبل النظام, وانتشارحالة الفوضى المنظمة في البلاد. في المقابل تنتشر كتائب مسلحة بعرض اليلاد وطولها, تواجه النظام بمقاومة لا توصف, ومن عناد يستحيل أن يهزم أمام جبروت وعنف النظام بجميع أشكالها . أما المجتمع الدولي, وفي دبلوماسيتها الأخير التي تدور حول إقامة الحوار بين النظام والمعارضة, فهو على حيرة من أمره, وسط خلافات على مستقبل سوريا, وما ستؤول إليه الحال. ليطرح السؤال الكبير في النتيجة: من سيحكم سوريا بعد بشار الأسد؟
أحمـــــــــد قاســــــــم
الكاتب والسياسي الكوردي السوري 10\2\2013