عائدون بحلة جديدة

موقع قيد الانشاء

أحمـد قاسـم : الكورد في سوريا بين الواجب والإستحقاق


أحمـد قاسـم : 

أنشأت الدولة السورية بعد إنهيار الدولة العثمانية ووضع خارطة سايكس ـ بيكو قيد التنفيذ بين فرنسا وإنكلترا, حيث قسمت المنطقة بين الإستعماريتين, ولتكون سوريا مستعمرة فرنسية. وبالتالي كانت أجزاء من المناطق الكوردستانية ألحقت بالخارطة المستحدثة لما سميت بسوريا مع شعبها من الكورد في بداية العشرينيات من القرن

 الماضي لتكون مدار أخذ ورد بين تركيا الحديثة الكمالية والدولتين الإستعماريتين عند رسم الحدود بين تركيا الحديثة وسوريا الناشئة. وفي كل المناقشات كان موضوع الكوردي حاضراً على طاولة البحث لتنتج ما أنتج من حاصلة إتفاقية سيفر ولوزان إلى أن استقر الحدود واعتبر المناطق الكوردستانية الملحقة بالدولة السورية وأكرادها من رعايا هذه الدولة الفتية التي بقيت تحت الإنتداب الفرنسي خمسة وعشرين عاماً. حيث اعتبر الكورد نفسه أنه شريكي ندي في إنشاء هذه الدولة وفقاً للمواثيق والقوانين الدولية , وشارك أخوتهم من المكونات الأخرى من الشعب السوري, و الذي يكون هو أيضاً عنصراً مكوناً  لإنشاء هذه الدولة, حيث  سمى مكونات المجتمع ضمن الدولة السورية الناشئة بالشعب السوري الذي تكون من العديد من الكونات المختلفة وفقاً لظروف تلك المرحلة, تجاوزاً لإرادة تلك المكونات التي كانت تخضع للسلطنة العثمانية ولتتحول إلى الإخضاع للإنتداب الفرنسي كما أسلفنا. وبالتالي كل المواثيق والمستندات الجغرافية والسياسية والديموغرافية الدولية تؤكد على أن مناطق من كوردستان التي كانت خاضعة للسلطنة العثمانية ألحقت بالدولة السورية الناشئة مع سكانها الأصليين, هم الكورد الذين ما زالوا يعيشون في هذه المناطق التي تقع في شمال سوريا اليوم على امتداد الحدود مع تركيا و مع الإحتفاظ  بخصوصيتهم القومية المتميزة عن غيرهم من المكونات من الشعب السوري.

أنشئت دولة سوريا فرضاً على إرادة شعوبها كما أسلفنا, وخلفت إنشائها الكثير من التناقضات الموضوعية والجوهرية بين مكوناتها من الشعوب, لتختلف فيما بينها تارة وتتصالح أحياناً للأمر الواقع الذي فرض عليهم على أن يتعايشوا ضمن هذه الجغرافية التي سميت بسوريا وتحت ظل حكومات متعاقبة غير مستقرة إلى أن جاء حزب البعث العربي الإشتراكي بانقلاب عسكري ليحكم سوريا منذ عام 1963 حتى يومنا هذا.
     لقد مارس الكورد حياته الإجتماعية وفقاً لتقاليده وأعرافه بعيداً عن الإندماج أو التأثر بالآخر لما له كثافة سكانية في مناطقهم..حيث كان النظام العشائري هو الطاغي على العلاقات الإجتماعية بين أفرادها حفاظاً على خصوصيتها القومية. وبالتالي كانت سياسات حزب البعث التي مورست تجاه الكورد من أجل صهره ضمن البوتقة القومية العربية باءت بالفشل, حيث كان مشروعي الإحصاء الإستثنائي والحزام العربي يصبان بذلك الإتجاه لتفريغ المناطق الكوردية من سكانها وتغيير ديمغرافيتها السكانية, ومن ثم تهجير الكورد إلى المحافظات الداخلية لصهرهم مع المكون العربي كما فرض على العديد من المكونات الأخرى. وللتاريخ علينا أن نؤكد على أن للحركة السياسية الكوردية كانت لها الدور الكبير والحاسم في الحفاظ على خصوصية الكورد والدفاع عن حقوقه المشروعة والحفاظ على المناطق الكوردية والتشبث بواقعها الديمغرافية رافضة للتغيير والعبث بمعالمها التاريخية منذ نشأة الدولة السورية وحتى يومنا هذا.

وبما أن الكورد إنسانياً وقانونياً هو من الرعايا الدولة السورية منذ نشأتها, وكما أنه مكون أصيل من مكونات الشعب السوري شعباً وأرضاً, وله خصوصية قومية وجغرافية تختلف عن بقية المكونات الأخرى من الشعب السوري, فعليه واجبات وطنية تلزمه القانون والأخلاق على آداءها بالتوازي مع المكونات الأخرى, لكنه في ذات الوقت يستحق حقوقاً تختلف عن حقوق المكونات الأخرى لما له من خصوصيات قومية مختلفة في الجانب الإجتماعي والديمغرافي إستناداً إلى المواثيق على أنه ألحق بالدولة السورية عنوة عنه وبدون إرادته ليكوناً شريكاً في إنشاء هذه الدولة مع المكونات الأخرى. وعندما نقول شريكاً, يعني أنه سيكون شريكاً متوازناً مع الآخر بخصوصياته القومية وليس بهويته الوطنية كما يدعي الآخرون, وخصوصاً الشوفينيون العرب والقوى الإسلامية السياسية لإعادة إنتاج سياسة التفرقة العنصرية وممارسة الصهر العنصري تجاه المكون الكوردي.
     ونحن الآن في عمق معركة تحرير الشعب السوري من الديكتاتورية والإستبداد والظلم والقمع الدموي, لولادة ثانية لدولة سوريا عصرية, والتي كلفت الشعب السوري أكثر من مائة الف مواطن بين قتيل ومفقود, عوضاً عن أضعافها من الجرحى و مئات الألوف من المعتقلين الأسرى لدى النظام, وتهجير الملايين بين من فرً إلى خارج سوريا ومن هاجر الى مناطق آمنة وخاصة المناطق الكوردية التي حتى الآن تحافظ على نوع من الأمان والإستقرار, وتدمير أحياء من المدن والبلدات باكملها, نختلف نحن المعارضة على الواجبات والحقوق.

شارك الكورد بمحض إرادته في ثورة التحرير, وكان سباقاً في ذلك لما له من تنظيمات سياسية معارضة للنظام, وهو كان الخاسر الأكبر من ظلم واستبداد واستمرارية هذا النظام الشوفيني والعنصري البغيض.. حيث انطلق من واجباته الوطنية لمناصرة أخوته الذين انتفضوا في درعاة التي تقع في آخر نقطة من جنوب سوريا, وليرفعوا أصواتهم عالياً في آخر نقطة من شمال سوريا, في قامشلو وكوباني وعفرين, وليملئوا سماء سوريا بصرخاتهم ( نحن الكورد معكم يا أبطال درعاة ) وليعلن الشهيد مشعل تمو نهاراً وجهاراً...( نحن لن نرضى بإسقاط هذا النظام فقط..بل علينا ان نحاكمه أيضاً على جرائمه ..) حتى أن وصلته أيادٍ غادرة فاستشهدوه.... إذاً الكورد لم يتخلوا يوماً عن واجباته الوطنية, ولكن عندما نأتي لنناقش الإستحقاقات نتفاجأ بموقف من السخط والإكراه من إخوتنا العرب وعند غالبية من المعارضات السورية...

الكورد له خصوصيته القومية وشخصية متيزة تختلف عن بقية مكونات الشعب السوري إن شئنا أو أبينا. وإن زمن فرض الإرادات قد ولى.. نحن الكورد أعلننا جهاراً ومنذ خمسين سنة مضت وتحت ظل وظلم الطغاة المستبدين دون خوف أو تردد عن استحقاقاتنا من الحقوق القومية مع استمرارية القمع والظلم والإعتقال لخيرة كوادر حركتنا السياسية وممارسة أبشع سياسات الصهر العنصري بحقنا وعلى مرئى ومسمع هؤلاء المعارضات التي كانت بالأمس تتهمنا هي أيضاً بالرجعية أحياناً وبالإسرائيل الثاني أحياناً أخرى وابالإنفصاليين في أحسن الأحوال. وما زلنا أصحاب هذه الإستحقاقات المشروعة أخلاقياً وقانونياً, وسوف لن نتراجع قيد انملة من هذه الحقوق لأننا نمتلك الشرعية القانونية وفقاً للمواثيق الدولية التي تؤكد على حقنا في تقرير المصير ضمن الدولة التي ننتمي إليه بخصوصيتنا القومية, وعلى أن يكون هذا الإنتماء مبني على الإتحاد الإختياري الحروفق دستور مشرًع متوافق عليه يضمن حدود وحقوق كل مكون من مكونات الشعب السوري, وكل حسب إنتماءاته الدينية والعرقية...

لقد أثبت التاريخ ومنذ آلاف السنين, أن إرادة الشعوب لن تقهر, وأن الحقوق لن تضيع مهما حاولت الطغاة من المستبدين والدكتاتوريين والعنصريين, ما دام أصحاب الحقوق مستمرون في الدفاع عنها ومتشبثون بها للحصول عليها بأي ثمن كان... وأن حركة التاريخ لن تتوقف عند أحد من الذين يحاولون الإلتفاف عليها.. ونحن بمحض إرادتنا اصبحنا عنصراً اساسياً من عناصر حركة التاريخ للثورة السورية للخلاص من الدكتاتورية والإقصاء والعنصرية البغيضة, وبنفس الحال نمتلك إرادة لن تثنى للحصول على الإستحقاقات بما تتلائم مع خصوصيتنا القومية وفقاً للشرعية الدولية ومواثيقها لبناء دولة سورية جديدة أساسها العدل والمساواة وفقاً لعقد ودستور جديد يتلائم مع مستلزمات العصر ويضمن حقوق كل المكونات كشركاء في هذه الدولة الحديثة من دون إقصاء أحد لحساب الآخر.

أحمــــــــد قاســــــــم
 الكاتب والسياسي الكوردي السوري    18\2\2013



جميع الحقوق محفوظة @ 2015 صـــوت الكـــــورد sawtalkurd .

التصميم من قبل Sawtalkurd | ألوان