عائدون بحلة جديدة

موقع قيد الانشاء

أحمــد قاســــم : التوريط والتفريط..عنوان المشهد السياسي الكوردي في سوريا



 أحمــد قاســــم :

إن ما تعاني الحركة السياسية الكوردية في سوريا منذ قيام الثورة هي حالة من التشتت والتشرزم وفقدان مركز القرار لحسم امرها تجاه النظام السوري من جهة, والحراك الثوري في سوريا من جهة اخرى.

لقد تخبطت مجموعة الأحزاب الكوردية من بداية الثورة في حراكها ضمن دائرتها المغلقة في اتجاه تشكيل مرجعية كوردية تشمل كافة الأحزاب والفعاليات الإجتماعية والإقتصادية والثقافية عن طريق عقد مؤتمر شامل لدراسة الحالة الوطنية والقومية في البلاد ومن ثم اتخاذ القرارات الموجبة اتخاذها لمواكبة التطورات التي ستحصل جراء الحراك الثوري الذي شمل سوريا بكافة قطاعاتها المجتمعية تحت شعار (الشعب يريد اسقاط النظام) . وبعد سبعة اشهر من اللقاءات المتواصلة وإصدار بيانات متناقضة تجاه الثورة والتظاهرات الجماهيرية التي شملت الشارع الكوردي منذ يومها الأول من جهة, وتجاه النظام السوري الذي بدأ باستعمال العنف ضد المتظاهرين السلميين وقتل واعتقال كل من يقع بأيدي عصابات هذا النظام المجرم , ومن اليوم الأول من الحراك الذي بدأ في درعاة إثر اعتقال الأطفال وتعذيبهم بشكل وحشي في الخامس عشر من آذار 2011.

وبعد سبعة اشهر من التواصل بين الأحزاب الإثنى عشر لإنعقاد مؤتمر قومي كوردي,نشب خلاف بين حزب الإتحاد الديمقراطي( ب ي د) والأحزاب الأخرى على شكل المؤتمر وعدد الممثلين عن كل حزب بما فيهم المستقلين وكيفية اختيارهم بين الجماهير . اعتقد أن هذه الأسباب كانت أسباب مباشرة والتي كانت معلنة , أما الأسباب الحقيقية كانت كامنة في خبايا الشياطين التي تلعب بمقدرات هذا الشعب الذي يفتقد أدنى مستوى من التمثيل السياسي في هذه الظروف العصيبة من خلال توريط الأحزاب لعملية الخضوع لأجندات خارجية تتوزع بين الجبهتين: جبهة داعمة للنظام, وجبهة تحاول التحايد وعزل المناطق الكوردية عن الفعل الثوري, والذي شمل كل مساحات سوريا بما فيها المناطق الكوردية بمنأى عن فعل الأحزاب الكوردية. هذا الفعل الحزبوي الذي كلما ادعى التوحيد انزلق الى دائرة التفريط أكثر فأكثر ليسيء إلى المشهد السياسي الكوردي.

انعقد المؤتمر تأثير الضغط الجماهيري, على ارضية خلافات عميقة بين الأحزاب  في 26\10\2011 تحت شعار دعم الثورة واسقاط اركان الإستبداد والفساد وطنياً, وتحقيق الحق الكوردي المتمثلة بحق تقرير المصير قومياً, من دون تحديد الحقوق بتفاصيله خوفاً من فشل المؤتمر لنشوب خلاف حادة بين المؤتمرين حول تحديد تلك الحقوق. حيث كانت ما انتجه المؤتمر مجموعة من القرارات التي لايمكن تنفيذها, في الوقت الذي بقيت الخلافات عميقة بين الأحزاب التي انضويت تحت مظلة المجلس الوطني الكوردي المنبثق من المؤتمر. لكي لاأخوض في تفاصيل الخلافات, أرجع الى موقف حزب الإتحاد الديمقراطي( ب ي د)الطرف المخالف لكل الأحزاب في الحركة السياسية الكوردية. والذي حسم أمره مع هيئة التنسيق للتغيير الديمقراطي القريب عن النظام السوري والتي تعارض أي تدخل خارجي من أية جهة كانت وكذلك الثورة المسلحة تنفيذاً لأجندات تخدم عملية بقاء النظام كطرف وفقاً للمخطط الروسي الصيني الإيراني. علماً بأن حزب الإتحاد الديمقراطي( ب ي د) يؤتمر بأوامر حزب العمال الكوردستاني, أما أحزاب المجلس الوطني الكوردي الستة عشر ينسقون مع القيادة السياسية لحكومة إقليم كوردستان العراق والتي تختلف مع حزب العمال الكوردستاني في الرؤى والنهج حول مستقبل الكورد في عموم كوردستان وسوريا بشكلها الخاص, ولتنعكس تلك الخلافات على العلاقات بين( ب ي د) والأحزاب الأخرى والتي هي بالأساس علاقات كلما تحركت نحو التقارب فيما بينها ازدادت الشرخ في عمقها وتتوتر نحو حالة عدم الإطمئنان.

ولكي تتمكن الساسة الكورد من رسم خطوط الأمان بين طرفي النزاع , وخاصة بعد تشكيل مجلس شعب لغربي كوردستان في مواجهة لمجلس الوطني الكوردي, تدخل رئيس اقليم كوردستان العراق لتقريب وجهات النظر السياسية ورسم إطار للمجلسين بغية التعامل فيما بينهما على ارضية التعاون المشترك لإدارة الحال في المناطق الكوردية من غربي كوردستان والتي سلمها النظام بمحض ارادته لمسلحي (ب ي د). حيث كانت اتفاقية هولير باشراف الرئيس مسعود برزاني. إلا أن هذه الإتفاقية لم ترى النور على الأرض من خلال استفراد ما يسمى بلجان حماية شعب كوردستان المسلحة العائدة ل (ب ي د) بإدارة المناطق ورفض مشاركة الغير عملياً تحت غطاء اتفاقية هولير, وليتأزم الوضع بشكل حقيقي من خلال الإعتقالات وإقامة المحاكم ودوائر التحقيق مع كل من يقع تحت ايدي تلك اللجان لتشمل قيادات من الأحزاب المنضوية تحت مظلة المجلس الوطني الشريك في توقيع اتفاقية هولير. اضطر مسعود برزاني لدعوة الطرفين مرة أخرى وتشكيل هيئة كوردية عليا تشرف على العملية الإدارية والأمنية في المناطق الكوردية وفقاً لبنود اتفاقية هولير, حيث أن الهيئة بمثابة حكومة كوردية انتقالية تشرف على مجلسين قوميين بالتساوي بينهما( مجلس شعب غربي كوردستان و المجلس الوطني الكوردي) . إلا أن الحال ذهب الى منزلقات أخطر. استمر( ب ي د) بتنفيذ خططه بحكم الحزب الواحد وعدم اكتراثه للإتفاقات, مستغلاً ضعف المجلس الوطني الكوردي من جهة التسليح أولاً, وإتباع سياسة عدم الإحتكاك مع مسلحي (ب ي د) ثانيا.

هناك عدد من الأحزاب والتنسيقات ولجان مجتمع مدني تشكلت مع ايام الثورة السورية لها تواجد في الشارع الكوردي إلا أنها تختلف في رؤاها عن المجلسين الكورديين أو المحورين المختلفين. وهناك اصوات مستقلة من النشطاء السياسيين والثوريين تؤثر هي الأخرى على قسم من الشارع الكوردي. كل هذه المجاميع تعاني من فعل نشطاء ومسلحي وكوادر ( ب ي د) لتذهب بعض هذه الفعاليات الى تشكيل كتائب مسلحة كوردية بالتنسيق مع الجيش الحر وبدعم من أطراف دولية لها المصلحة في ذلك.

لذلك أعتقد أن إفتقاد الكورد لمرجعية سياسية موحدة وسط هذا المشهد التشرزمي سيدفع بالعديد من المجاميع للتسلح والوقوف في وجه استفراد ( ب ي د ) بهم, وإن أي توريط لأية قوة في توقيع عقد مع جهات خارجية من دون الرجوع الى الشعب وأخذ رأيه سيدفع بالآخر إلى أن يتورط مع الخارج الضد ويعقد معه صفقة من أجل مواجهة ما يعانيه في الداخل من بني جلده, وهكذا يشتعل نار الحرب الأهلية بين الأفرقاء من دون أن ندري. وأن كل الصيحات البريئة لا تفعل فعلها عند تلك القوى المتصارعة. الشعب وحده قادر على إيقاف هذه القوى عند حدود الصلاحيات التي يحدده, وأي خروج على إرادة الشعب يجب أن يحارب بكل قوة.

ما نراه اليوم نذير شؤم, علينا الوقوف عليه بجدية ومسؤولية قومية ووطنية. نحن الكورد لنا ارضية موحدة يجب الوقوف عليه, ولا ننجر الى صراعات من أجل تنفيذ سياسات ليس للكورد مصلحة فيها. علينا رسم استراتيجيتنا القومية على ارضية مشتركة, فلا يظن أحداً بأنه سيحكم بمفرده, وإلا لما قامت الثورة ضد استبداد ودكتاتورية حزب البعث بعد حكمه لخمسين سنة. فمن يظن أنه هو الوحيد الموجود على الأرض, أعتقد أنه القوة الأضعف, وسيتحول إلى زمرة يلاحق من قبل قوى الشعب الفاعلة التي ستنشأ مع تطورات الأحداث وستتعاظم. وأن من يصطاد الآن في الماء العكر على أرضية تشرزم الحركة السياسية الكوردية سيدفع الثمن باهظاً فيما بعد, أقصد في ذلك المحورين الرئيسيين( حزب الإتحاد الديمقراطي ب ي د , ومجلس الوطني الكوردي بأحزابه الستة عشر ) . حيث أن قضية شعبنا قضية قومية ووطنية لا يجب التفريط بها والأيام والأشهر القادمة تحمل معها أحلك الظروف, ونحن بحاجة الى توحيد الصفوف. أما تفاصيل التي تجري على الأرض فالكل يعلم, وما أريد التأكيد عليه , ان نتعاون في وأد الفتنة التي تحاك ضدنا, ولا ننغر بقوانا التي لاتكفي ان تحمي قرية واحدة من الأخطار التي تحدق بنا.

 أحمــــــــد قاســـــــــم
الكاتب والسياسي الكوردي السوري   2\11\2012   
تم النشر في 12,48 02|11|2012



جميع الحقوق محفوظة @ 2015 صـــوت الكـــــورد sawtalkurd .

التصميم من قبل Sawtalkurd | ألوان