أحمـــــــــد قاســــــــم :
يطرح في الآونة الأخيرة فكرة تشكيل حكومة إنتقالية للثورة السورية لإدارة مرحلة ما قبل وبعد سقوط نظام بشار الأسد. حيث أن أمريكا وفرنسا تشددان على ذلك ، في وقت
تغيب عن الساحة السياسية الهيئة التي تستطيع تمثيل الثوار على الأرض، بما فيها الجيش الحر للتباحث والحوار السياسي والدبلوماسي على الساحتين الدولية والإقليمية. وأن كل المجالس والهيئات التي تتمحور في إطار ما يسمى بالمعارضة لا تستطيع الإقرار على وثيقة إن تم الإتفاق عليها في مجلس الأمن أو الأمم المتحدة وتطبيقها على الأرض، حيث أن هناك مجلساً أو هيئة لقيادة الثورة انبثقت من التنسيقيات التي تعمل على الأرض. وكذلك تشكلت مجلساً عسكرياً للجيش الحر لإدارة العمليات العسكرية.
الآن، وبعد إكمال هيكلة الجيش الحر وتشكيل شبكة من الإتصالات كغرفة للعمليات على مساحة سوريا وبالتالي خلق مناطق ساخنة كاستراتيجية لحرب العصابات في المدن، وذلك لتشتيت الجيش النظامي وخلق فرص لإنشقاقات كبيرة، خلقت ارضية واقعية لتحرير الأرض من سيطرة النظام بدءً من شمالي إدلب وعلى الخط الحدودي مع تركيا الى الحدود العراقية، ونزولاً الى الحدود الأردنية والسيطرة على المعابر الحدودية البرية مع تركيا والعراق والأردن. وما شاهدناه خلال الأسبوع كان تطوراً نوعياً هاماً على الأرض، حيث تقدمت عمليات الحربية على التظاهرات والإحتجاجات في الشوارع للعديد من المدن، وفي مقدمتها دمشق وحلب. وذلك بعد أن تحررت غالبية المدن التابعة لمحافظة حلب من الغرب والشمال والشرق، بحيث أصبح تحرير حلب بين قاب قوسين أو أدنى.
حلب مدينة ذات موقع استراتيجي مهم . ليست لأنها عاصمة سوريا الإقتصادية، بل كونها تؤمن خطوط الإمداد اللوجستي لإستمرارية الثورة والقتال في مواجهة الجيش النظامي، حيث تشرف حلب على نصف المسافة الحدودية مع تركيا وهي الأقرب على المناطق الساخنة في سوريا على خط ادلب وحماة وحمص. أي أن موقع حلب الإستراتيجي سوف يقلب موازين القوى لصالح الثورة في جميع المجالات. وعند تحرير حلب يعني ما يعني، أن الظروف الموضوعية للثورة ستتغير من الضد الى صالح المعارضة والثورة والجيش الحرعلى الأرض ، عندها يمكن تشكيل حكومة إنتقالية لإدارة المناطق المحررة والإستمرار في القتال ضد فلول جيش النظام باتجاه تحرير أرض سوريا بالكامل.
إن ما تروج الآن من تشكيل حكومة إنتقالية من قبل أمريكا وفرنسا ولحقتها سعودية وقطر وتركيا تشكل فخاً للقيادة الحقيقية للثورة السورية. مثلها مثل تشكيل المجلس الوطني السوري بطريقة غير شرعية، أي جاء كأمر واقع، لكنه عاجز عن تمثيل الثورة السورية بأي شكل من الأشكال. مع أنه اكتسب تأيداً دولياً إلا أنه افتقد قرار التمثيل الحقيقي للثورة، وبالتالي ارتبكت الدول النافذة في عملية الدعم أو الإعتماد عليه لإدارة الأزمة في سوريا سلباً أو إيجاباً. من هنا تكمن حقيقة وفاعلية استمرارية الثورة على أنها استطاعت الحفاظ على قياداتها الحقيقيين في الداخل السوري إلى أن تصل الثورة إلى مراحل متقدمة وتتمسك ببقعة أرض محررة لتعلن عن نفسها بشكل واضح. وأن كل العمليات الدبلوماسية الدولية كانت مضيعة للوقت وكسباً لتكليف سوريا خسائراً تكاد تكون باهظة الحجم على كاهل السوريين، وسيعاني الشعب معاناة قاسية خلال عشر سنوات قادمة، وكان السبب في ذلك التعامل الدولي الغير الأخلاقي مع أزمة الشعب السورية إن كانت من جهة امريكا ومن معها، أو من جهة روسيا التي عمت عينها للحفاظ على مصالحها الخبيثة مع نظام مجرم يبيد شعبه.
في محاولة يائسة قامت روسيا لإقناع المعارضة فتح حوار مع النظام. وإلى حد بعيد كانت أمريكا تتفهم للطرح الروسي، وحتى مجموعة الدول الأوروبية وفي مقدمتها بريطانيا وفرنسا أيضاً اقتنعتا على أن إيجاد صيغة تفاهمية بين المعارضة والنظام ستضع العملية بمجملها على سكة توصل سوريا الى بر الأمان. إلا أن الصعوبة في تحقيق ذلك كانت قيادة الثورة الفعلية غائبة عن التداول الدبلوماسي، مما جعلت الصعوبة بمكان الوصول الى ما كانت روسيا تحاول تحقيقها.
الآن كل شيء تغير مع معركة حلب. حيث أن خطة جيش الحر في طريقها الى التنفيذ والنجاح لتغير الموازين على الأرض ولتفرض الثورة نفسها على أنها هي الحاكم الشرعي لسورية بعد أن تحرر مدينة حلب. عندها سترى حكومة انتقالية النور وستعمل بشكل فاعل على جميع الجبهات في الداخل وفي الخارج. وأن الطرح الآن لتشكيل حكومة انتقالية سابق لأوانه. وأي حكومة ستتشكل في الخارج بدون إرادة الثورة والجيش الحر ستكون مصيرها الفشل والإنهيار. وأن الحكومة العتيدة التي ستتشكل وستدوم هي من ستولد من رحم الثورة ستكون مقر إقامتها مدينة حلب العاصمة الإنتقالية لسوريا في مرحلتها الإنتقالية الى أن تتحرر سوريا برمتها. ولا ننسى بأن أية حكومة إن لم يشاركها مكونات الشعب السوري سوف لن يكتب لها النجاح وخصوصاً الجانب الكوردي منها لمى لها من ثقل موضوعي في تغيير موازين القوى على المستوى الداخلي والمستوى الدولي.
أحمـــــــــد قاســــــــم
الكاتب السياسي الكوردي السوري 26\7\2012
تم النشر في 11,00 26|07|2012