عائدون بحلة جديدة

موقع قيد الانشاء

نوري بريمو: كوردستان سوريا: من تحت الدلف إلى تحت المزراب

kl:00,34 03|06|2013 Sawtalkurd

نوري بريمو: 

إنّ عقلية التكبُّر والمكابرة والشطب على الآخر وتخوينه وتجريمه والتهرب من الحوار وعدم الإحتكام للتوافق ومحاولة فرض توازن الرعب لصالح سلطة الأمر الواقع التي يتمتع ويتباهى بها حزب الإتحاد الديمقراطي (PYD) المستفيد من الفراغ الأمني والإداري الذي تركه له نظام البعث، هي بلا شك عقلية بدوية لا بل دكتاتورية تعكر الأجواء وضارة بالقضية الكوردية ولن تجدي نفعاً لأي طرف وقد ئؤدي للمجهول في كوردستان سوريا التي تعرّضت مرار وتكرار لشتى صنوف الإستبداد والكوابيس التي أثقلت كاهل شعبنا الذي لطالما عانى من جرثومة تسلط الآخرين عليه وتلذّذهم بقهره واضطهاده وصهره.

وقد أدى هذا التجبُّر السلطوي وهذه الشمولية في التفكير والأداء والتعامل الأمني مع الرأي الآخر إلى تحويل كوردستان سوريا في هذه الأيام المصيرية إلى ساحة مستباحة لأنصار (PYD) المصابون حاليا بمرض الغرور السلطوي والمستهترون بغيرهم من القوى السياسية والفعاليات الإجتماعية، لا بل المتكبرون على بني جلدتهم عبر محاولة تدجين الأطراف الأخرى وإختطاف وإعتقال النشطاء وتشكيل محاكم ميدانية وفرض الأتاوات على المواطنين وسريان مفعول المحسوبيات والوساطات ومنع أي حراك أو مظاهرات مخالفة للنظام وللآبوجيين الذين يبدو أن بالهم لن يهدأ ما لم يدحرجوننا جميعاً إلى هاوية الصراع الداخلي والإقتتال الأخوي الذي لطالما تحاشيناه وسنتحاشاه قدر المستطاع لحقن دماء بنات وأبناء شعبنا الكوردي.

ولعلّ مقولة "التكبُّر عين الحماقة" هي واحدة من الأمثال الشعبية التي ينبغي الاستئناس بها واستخلاص العبر من مغزاها وترجمة معانيها بشكل عملي، خاصة وأننا قد سئمنا من كثرة الحماقات التي باتت نقمة على أجيالنا التي ينبغي أن تتخلص من رواسب الماضي وأن تهنأ من الآن فصاعد بالأمن والاستقرار والتعايش السلمي في كنف فضاءات ديمقراطية تسودها القوانين والدساتير التي من شأنها إنصاف الآدميين بغض النظر عن إنتمائاتهم ومنابتهم ومشاربهم.
وبما أنّ إنساننا الشرقي عموما والكوردي خصوصا، يحمل بالفطرة في مكنونه الداخلي إرثاً متراكماً لثقافة شمولية يمتد عمرها إلى عصور، فإنّه يُعتبر حاملاً بالوراثة لعراقيل كثيرة تقف عقبة كأداء أمام دمقرطة المجتمع الذي ينتمي إليه، فمسلكيات السيادية والعقائدية والتبعية العمياء للحزب الواحد واللون الواحد والزعيم الأوحد، ما زالت هي المسيطرة ـ مع الأسف ـ على عقول وتصرفات معظم مواطنينا الى حدٍّ نستطيع فيه القول بأنّ الأغلبية أصبحوا مصابون بآفات تسلطية ناخرة في نقي عظام أجيالنا المقموعة بسياط ديمومة ثنائية "السيد والعبد" حتى بات يصعب علينا معالجة أخطائنا الذاتية دون اللجوء إلى تسفيه أو تكفير الآخرين أو النظر إليهم برؤى دونية تدوس على إرادتهم وتحجب عنهم حقوقهم المشروعة.
في حين نرى بأنّ المجتمعات الديمقراطية كالأوربية مثلا، غدت بمثابة نقاط ضوء متألِّقةً و تزداد ألقاً من حيث الرقي والتقدم والحضارية، بفضل معالجتهم لهكذا آفات واجتثاثهم لجذور مختلف فيروسات الجهالة خيوط التخلف من نسيج علاقاتهم البينية التي يسودها حاليا الوئام والمحبة والسلم الأهلي المبني على أساس وتداول السلطة وتقاسم الحصص والحقوق والواجبات بين الأحزاب أو الشركاء ـ سواءً أكانوا متفيقن أو متنافسين ومتخاصمين ـ وفق ضوابط وأنظمة حضارية بعيداً عن أية اعتبارات أو خلفيات قد تنتقص أو تهين أو تدين أي طرف من أطراف المعادلة، لتسود الألفة وسطهم دون أيّة كراهية أو شطب على الآخر، وهنا بالضبط يكمن سرّ نجاحهم وتفوّقهم اللامحدود في ظل سريان مناخات الرضى عن النفس وعن الآخر والشعور الإيجابي بنيل الحقوق وتحقيق المصالح التبادلة لدى كل جانب بالأساليب الديموقراطية البعيدة عن أشكال التعامل الفوقي، وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال: لماذا لا نتخلى عن ثقافة الشارب العريض ونتعقل ونحذو حذوهم ونسير وفق خطاهم لنتنعم بحياة شبيهة بالتي ينعمون بها على قمة هرمهم الحضاري الذي رسموه بأدمغتهم وبنوه بسواعدهم وعرقهم ودمائهم التي ضحوا بها خدمة لأنفسهم ولأجيالهم المتعاقبة، وما الضرر من محاولة الالتحاق بهم والسير على خطاهم لنتمكن من العيش وفق منوالهم، و ما المانع من اعتمادنا لمبدأ التعامل الديموقراطي فيما بيننا؟.

في الحقيقة إنّ الكلّ في بلداننا ـ أفراد أو جماعات ـ ينادون في خطاباتهم ومناهجهم وشعاراتهم بالديموقراطية وحقوق الإنسان، ليس هذا فحسب بل يظهرون بأنهم يسعون إليها بحرارة وفي أحيان كثيرة بالمزاودة على الغير، لكن الطامة الكبرى تكمن في أنّ كلّ واحد من أفرقائنا ينشدها بطريقته الخاصة به، أما الخلافات فتبرز لمجرّد التفكير بالجلوس حول طاولة مستديرة للتشاور في ثنايا المواضيع المخَتلَف عليها، أو لمجرّد بروز أية مبادرة خير تهدف إلى الإصلاح الذي يخيف البعض لأنه قد يؤدي إلى الانتقاص من مكانته أو هيبته أو حصته، في حين لا تبدأ العراقيل الجدية لتدلوَ بدلوِ فعلها السلبي إلاّ عندما تبدأ المحاولات الصادقة لترجمة الايجابيات من الطور النظري إلى ساحة التطبيق العملي، والمصيبة الأكبر تكمن في أننا (أحزاب، سياسيين ومثقفين مستقلين، مواطنين عاديين) معَقَدين للغاية إذ عندما نختلف فيما بيننا حول وجهات النظر والرؤى والاقتراحات ـ رغم أن الإختلاف أمر طبيعي لدى الآخرين المتقدمين علينا علماً وحضارةً ـ حينئذ تبرز ردود الأفعال ونلجأ بالغريزة وبشكل فوري إلى أساليب التوتير والعنف والضرب والتقسيم والطرح بدلاً من الهدوء والروّية واعتماد لغة التفاهم والمهادَنة واحتضان الأخر، والمشهد المأساوي هذا تكرّر كثيراً ويبدو أنه قد أو سيتكرّر في ساحتنا الساخنة حاليا، في حين ينبغي أن لا تلجأ كل الأطراف مهما بلغت درجة الخلاف بينها إلى اختيار خيار استلاب إرادة الآخر والمصادمات المؤسفة.

وإذا أخذنا الحالة السياسية في كوردستان سوريا، كأنموذج لابد من تصحيحه خدمة لحاضر ومستقبل قضية شعبنا الكوردي الطامح نحو الفدرالية، فإنّنا نجد بأن حالتنا لا تختلف كثيرا عن هذا السياق الذي أسلفنا شرحه، وذلك نظراً لكونها تكتنف في باطنها وظاهرها الكثير من الحيثيات والتداعيات والاستحقاقات المختلفة والمتوافقة في آن واحد، إذ أنّ الفعل السياسي الديموقراطي بات معطلاً بل مغيّباً في ظل هيمنة حزب (PYD) على الساحة وإعطاء الحق لنفسه بتنصيب نفسه كسلطة الأمر الواقع والبدء بزرع ثقافة الخوف في مجتمعنا الذي يبدو أنه خرج من تحت "دلف" البعث إلى تحت "مزراب" الآبوجيين!؟.
إنّ ثقافة الخوف لا بل الرعب التي يفرضها الآبوجيون بالقوة والتهديد والوعيد، قد تؤدي إلى خلق أجواء لا ديموقراطية تقبع تحت سقف قبضتهم الأمنية التي يحكمونها يوما بعد آخر، وقد تفرز عن هذا الواقع إشكاليات كبيرة وكثيرة قد تقف عائقاً أمام حق ممارسة العمل السياسي الديموقراطي، حيث أنّ أكثرية مواطنينا الكورد بما فيهم العناصر المنتمية خوفا إلى صفوف حزب (PYD) الذي ينوي الإستفراد بالسلطة في كوردستان سوريا، باتوا يصطدمون بجدار هيمنة المنهجية الشمولية للآبوجيين، وإن لم يكن الأمر كذلك وإن لم يحاول الآبوجيين اتباع سياسة "السيد والعبد" فلماذا لا تستطيع باقي الأحزاب والتنسيسقيات أن تؤسس مؤسساتها وتقوم بأنشطتها بشكل علني؟.

في حين أنّ المطلوب من كافة الأطراف الفاعلة في الساحة والمتشاركة في إتفاقية هولير التي تم توقيعها برعاية سيادة الرئيس مسعود بارزاني بتاريخ (11-7-2012)، أن تكف عن فرديتها وتقف بجدية حيال ما يجري في ساحتنا وأن يجري تشخيص الحالة وفق منظور ديموقراطي يقودنا إلى طرح المشروع القومي الكوردي في هذا الراهن الشرق أوسطي المصيري، و ذلك عبر اطلاق الحريات للجميع والإقرار بالتعددية المبنية على المنافسة الحضارية التي ستؤدي بنا إلى الإعتراف ببعضنا وبمبدأ التشارك دون أية خلفيات أو حساسيات أو محسوبيات أو أي تمييز بين هذا الطرف أو ذاك إلى حين خوض انتخابات حرة ونزيهة، وبلا أية اعتبارات سوى الأخذ بمقياس مدى قدرة الطرف المعني على خدمة الكورد وكوردستان، وهذا ما لا يمكن أن يتحقق إلاّ عبر إعتماد توافقات وقواسم مشتركة وليس بأسلوب فرض الهيبة وعرض العضلات وإنما بتطبيق بنود اتفاقية هولير بلا أي تردد، بحيث يشعر المشاركون في توقيعها بأنهم يؤدون دورهم ويساهمون كشركاء حقيقيين في سياق الحراك الجاري.
وفي الختام فإنّ أية لوحة فنية، لن تكون جميلة إن لم تكن ألوانها منسجمة ومتناسقة كالفسيفساء المتنوعة الأشكال والألوان، فلنجعل من كوردستان سوريا طيفاً متنوعا تتمتع في ظلاله كافة الأحزاب السياسية والفعاليات الأخرى بالفعالية والتألق كما يتألق القوس قزح وتنتشر اشعاعاته وسط الغيوم الداكنة.

نوري بريمو
1-6-2013 






جميع الحقوق محفوظة @ 2015 صـــوت الكـــــورد sawtalkurd .

التصميم من قبل Sawtalkurd | ألوان