دلسوز ميدي :
غنى لقامشلو و ديريك وعامودا،، أنشد لكوياني وعفرين، تفاعل مع تربة سبي و الدرباسية والحسكة و أطلق صرخة شجية بحجم الألم المنعكس عن حجم المأساة في سه ري كانيه. صرخة (هه ي هاوااااااار) التي فجرت براكين الغضب في مهج الشباب الذين استماتوا للدفاع المقدس وفي خلداتهم رؤىً تبشر بقرب ذلك البعيد ولتمزق حجب الخوف عن القادة الذين استمرؤه وهو إذ يستهجن فرارهم إلى خارج الوطن ويفضح تبعثرهم و تشرذمهم و إتحادهم على الإختلاف و اختلافهم على الإتحاد و الذي يعتبر داء الأدواء الذي ابتلي به الكورد.
شفكر يصاحب الحدث الكوردستاني و يندمج فيه بإحساسه الذي يتفاعل مع الحدث يتشربه ليطلقه نغماً متشبعاً بالطاقة الكمونية المستترة في ذاته المرهفة و النابعة عن آهاته و حسراته على الوضع الكوردي متأملاً ملامح الأشعة البعيدة التي تنذر بانبلاج شفق يكون مقدمة لشمس تقهقر العتمة عن وطن حن للدفئ والطمأنينة و لعودة طيوره المهاجرة إلى أحضانه مثلما هم.
هو ذاك الفنان الملتزم بقضايا أمته و المؤمن بعدالتها و المعتقد أبدا بأنه واحد من تلك الطيور يتحسر على مدينته قامشلو مؤكداً بذات الوقت و بلغة الواثق عودته إليها حيث انعكس هذا الإحساس الحزين المختلط بالإصرار فنيا على أغنيته (قامشلو Qamishlo ware mine) فاختار لها مقام الصبا المعروف بالشجن لوجود جنس الحجاز المتشكل من العلامة الأخيرة للجنس الأول و البعد الفاصل بين جنسي المقام والعلامة الأولى للجنس الثاني ولكن وليبدأ بروح التحدي الذي لا يصلح له مقام الصبا لم يبدأ بالغناء إلا بالعلامات الثلاثة الأولى من جنس المقام الأول و هي نفس العلامات الأولى لمقام البيات الذي يشكل بالإضافة للراست و العجم المجموعة التي يستخدمها الموسيقيون لبناء ألحانهم ذي الإيقاعات المحفزة و الحماسية.
بعد أن يؤدي المقطع غرضه ينتقل شفكر ليكمل على جنس الحجاز البيني بشكل هارموني لصوتين منطلقين من نفس العلامة على اوكتافين مختلفين متتاليين ليجبل حزن البعد و الفراق بتحدي الانتماء و حتمية العودة.
لكل أغنية من أغاني شفكر قصة و ضرورة. قصة منعكسة عن واقع و ضرورة لتأدية ما قد يفضي إلى آلية تغييره بتسخير عناصر الأغنية الثلاث الكلمة – اللحن – الأداء.
يسلك شفكر خطين متوازيين في انتقاء كلمات أغانيه ، ففي الأغاني الموجهة مباشرة إلى عامة الشعب بفلاحيه وعماله وقرويه وحضرييه لتعبئة حالة جماهيرية معينة يبتعد عن النمطية والقواعدية واللغة الفصحى بل يخاطب باللغة المتداولة بمفرداتها المحكية البسيطة كونها الأبلغ في إيصال مايراد إيصاله والأشمل فهماً في تشخيص حالة وتحديد الحل كما في أغنية sere kanye hawar dike ( سري كانييه تستغيث ) حيث لا يتأخر الفنان عن إبراز مختلف عوامل الفرقة الكوردية كحالة التشرذم و الشقاق و فرار قادة الأحزاب الكوردية و تركهم الشعب وحيداً دون راع ، ملمحاً إلى أن باقي المدن الكوردستانية ستلقى المصير ذاته إن لم يتم توفير مستلزمات التهيئة المادية و المعنويه لها.
أما الخط الثاني فهو تلك الأشعار و القصائد الملحمية النابعة من عمق التراب و الجذور و إنسان هذه الأرض و المتدفقة من مكنونات ملايي جزيري و أحمدي خاني و المسبكة بلغة بل بمزيج من اللغات التي تستعصي على الفهم للمرة الأولى و تتحدى خيال المتلقي في بلوغ صوره كأغنية sheva hicran (ليلة الهجر) حيث كلماتها من أشعار الجزيري المليئة بالصور البيانية و المفتوحة على التأويل ضمن قالب شعري عمودي منتظم.
إن اختيار اللحن بركيزتيه /المقام و الإيقاع/ لدى الفنان شفكر يتم وفق جملة أسس و ركائز في مقدمتها تناسب النغمة مع الكلمة و توافق المقام مع الإيقاع المناسب ثم عدد العلامات الموسيقية و الأجناس الواجب استخدامها لتتناسب مع المساحة الصوتية التي يمتلكها ليضفي الأداء بأريحية بما تفيض به روحه وتجيش به نفسه ضمن تموجات وارتجاجات الصوت دون ازورار أو تساهل لتتواشج عناصر الأغنية: التقنية والروحية وتنطلق لتؤدي دورها.
إن للفن لدى شفكر هدف يتسامى إلى فضاءات الحرية و الإنعتاق و الخلاص من قيود الأسر والرق والعبودية و هو أولا يجب أن يعبر عن التزامه بالقيم العليا للإنسان في رفض الظلم بكل أشكاله وإحقاق الحق والعدل والعيش الكريم وبأن تفتخر كل قومية بشخصيتها تحت مظلة الإنسانية و أن أي غبن أو إجحاف بحقها يعتبر انتقاصاً للإنسانية في دائرتها الأوسع ولذلك واجب الفنان الإلتزام بالدفع نحو رفض هذا الخلل وشحن الجماهير بالطاقة المعنوية و التعبوية لتحديه والدفع لتصويبه.
بهذه الروح عبّر الفنان شفكر عن دور الفن وعلاقته بالثورة عند ردّه على سؤال للإعلامي الكوردي عماد يوسف مراسل موقع "كوليلك" الإلكتروني في سياق المقابلة التي نشرت في أواخر عام 2012م حين سأله عن مدى تأثير الفن في الثورة السورية ودور الغناء في بث الحماس لدى الشعب الثائر فكان الرد بان الكلمة الصادقة والشعر الوطني والأغنية الثورية لها دورها بين شباب الثورة دور مواز للسلاح في المعركة وأن الفن فعل إنساني و الثورة فعل إنساني إيجابي يخلص الإنسان من قيود العبودية و الأسر.
طيلة أربعين عاماً بقى الفنان شفكر ملتزماً بقضايا أمته الكوردية ، لم يفرقه البعد الجغرافي عن وطنه فلقد حمله بين ثنايا روحه و كان حاضراً بفنه في كل مناسباته ، غنى لآمال و آلام شعبه، تأوه لآهاته و أطلق الصرخات في مآسيه و أتراحه و لم يكن الوحيد الذي غنى للثورة السورية لكنه كان الأغزر انتاجاً على مدى السنتين الفائتتين و كله ثقة بأن أرض كوردستان ستعانق خيوط الشمس التي أضحى بزوغها قاب قوسين أو أدنى من التحقق..ٍٍٍ
دلسوز ميدي 1.5.2013 القامشلي
https://www.youtube.com/watch?feature=player_embedded&v=LPzO374ie20#!
سرى كاني هاوار دكا
https://www.youtube.com/watch?v=Odec9lQ6RpA