عائدون بحلة جديدة

موقع قيد الانشاء

أحمد قاسم : تقسيم سوريا بين داءٍ ودواء


أحمد قاسم : 

كل المراقبين يرجحون تقسيم سوريا على وحدتها بعد إطالة هذا الحرب المدمر في سبيل نحو المجهول المقتصد به, تلبية لمطالبة دوائر تعمل في الظلام على خلفية دينية ومذهبية على السطح المكشوف, إلى خلفية مصلحية إقتصادية ترتبط إرتباطاُ وثيقة بالأزمة الإقتصادية العالمية, لتكون سوريا عتبة بوابة النفوذ منها إلى الشرق الأوسط الجديد لإستثمارات جديدة, على أرضية جديدة من العلاقات الدولية, من خلال إستقرارية الديموغرافيا البشرية والسكانية التي خلفتها انهيار الدولة العثمانية وولادة دول بعمليات قسرية تتداخل في تخوماتها الغير الطبيعية لتكون بؤر توتر على المدى البعيد. آن الأوان لإعادة النظر في بنيتها السياسية والأصولية التي تناقض حقيقة الوجود الأثني ضمن كل وحدة من وحدات الشعب لكل دولة, حيث يبقى التفكك أكثر سهولة لهشاشة ترابط تلك الوحدات كما نرى الآن في سوريا.
 
كان شعار الثورة السورية في بداية إنطلاقتها ( واحد.. واحد.. واحد... الشعب السوري واحد ) شعار لم يخترق الوجدان وضمير مكونات الشعب السوري وهو ينطلق من حناجر مئات الآلاف من المتظاهرين في شوارع مدن سورية.. من درعاة في اقصى جنوب سوريا إلى قامشلي في أقصى شمالها الشرقي.. لكن لم يفعل فعله كما أراد من أطلق هذا الشعار بغية تحشيد وتجييش كافة مكونات الشعب السوري ضد النظام وإسقاطه بأسرع وقت وبأقل تكلفة, بغياب برنامج سياسي واضح يلبي طموحات المكونات التي تضررت طوال خمسون عاماً من حكومة قومجية عنصرية ديكتاتورية استبدادية.. اختارت القمع وكم الأفواه لفرض سيطرتها على إرادة تلك المكونات باسم العروبة وثورة تحرر العرب من الإمبريالية والصهيونية , آخذة إسرائيل ذريعة لإستمرار حكمها وحشر الناس في زاوية الإتهام وفقاً لظروفها السياسية والإجتماعية......

إن قسرية وحدة الشعب السوري تحت ظروف كان الإستعمار الفرنسي والإنكليزي من فرضت على تلك المكونات التي لم تشارك مشروع إقامة دولة سورية بتلك الإثنيات والأديان المختلفة والغير متجانسة أصلاً. حيث اجتزأت جزءً من كوردستان وألحقت بتلك الدولة الناشئة, وكذلك اقتطاع جزء من الآشوريين والكلدان والسريان من الحاضنة العراقية منطقة ما بين النهرين, بالإضافة إلى الدروز الذين تجزأوا بين لبنان وسوريا وإسرائيل, إلى جانب العديد من الإختلافات أصولية عرقية أخرى وأديان ومذاهب مختلفة فرضت عليهم التعايش ضمن جغرافية سياسية مصطنعة وفقاً لتلبية مصالح الإستعمار حينذاك. إلا أن الحكومات المتعاقبة بعد جلاء سوريا من الفرنسيين لم تسن سياسة تؤدي إلى إندماج إجتماعي تتكيف المكونات وتتلازم مع مصالحها في العيش المشترك من خلال التشارك في الحكم وإتخاذ القرارات المصيرية للدولة مع الإبقاء على خصوصية كل مكون لتكون أرضية للثقافات المشتركة والمتنوعة تغني حضارة سوريا الإنسانية والجغرافية والتاريخية. كل ذلك جعلت من سوريا بؤرة مزروعة بالألغام تنفجر حين الطلب وفي الوقت المناسب بإشعال فتيل تمسك به الدول ذات النفوذ في المنطقة.

يبدو أن وحدة سوريا في خطر حقيقي.. وأن كل الدلائل والمؤشرات تدل على أن سوريا تذهب باتجاه تفكيك مجتمعي, في الوقت الذي أفرزت الأوضاع السائدة نوعاً من المناطقية والتلازم الجغرافي لمكوناتها. حيث نشاهد خصوصية الشعب الكوردي في مناطقه الكوردستانية تأخذ شكلها باتجاه تشكيل إدارة ذاتية تنفصل في جوهرها عن باقي مناطق سوريا, مع البقاء على التزاماتها الوطنية في معارضة النظام والمطالبة باسقاطه , ولكن على طريقته الخاصة. وكذلك الدروز الذين لم يشاركو حتى الآن مع الثورة في اسقاط النظام خوفاً من مصيرهم المستقبلي الغامض, بالإضافة الى المسيحيين والسريان والآشوريين, يعيشون في المجهول المصيري أيضاً. والعلويون الذين ارتبط مصيرهم بمصير النظام هرباً من سيطرة السنة على مقاليد الحكم في البلاد والإنتقام منهم.

هنا لا بد أن نتوقف بشكل جدي ونتسائل من منطلق الشعور بالمسؤولية الأخلاقية والوطنية تجاه ما يجري في سوريا, ولنسأل: هل يمكن معالجة الوضع في سوريا بدائها, أم نصنع لها دواءً من دائها, أو نترك فرصة لإرادة دولية تعمل على إيجاد حلول وفقاً لمنظورها الإستراتيجي, تؤمن مصالحها المستقبلي على حساب دماء الشعب السوري؟

الكي أفضل دواء لضماد الجرح ونزيفه... أما تأجيل العلاج بالمسكنات قد تؤدي إلى ورم سرطاني يصعب استئصاله لاحقاً, فيقتل الجسد.. سوريا تعاني من هشاشة ترابط مجتمعي بين مكوناتها الأصيلة, فإن همشت إحداها إنهارت إحدى جدرانها وركائزها, وبالتالي تصاب الآخر بداء الضعف فتنهار أمام أية عاصفة من أية جهة أتت.. تبقى طريقة واحدة لإنقاذ سوريا من التفكك بإعتقادي: إنعقاد مؤتمر وطني شامل, تشمل ممثلي كافة القوميات والأديان والطوائف لمناقشة مستقبل سوريا والإتفاق على عقد تشاركي ملزم تلتزم كل الأطراف بها للخروج من هذه الأزمة المدمرة مع إسقاط النظام بكل هيكلياته التنظيمية المؤسساتية . وسن دستور جديد للبلاد تضمن حقوق كل الشركاء في الوطن الواحد, كل حسب خصوصياته.. أما الخروج عن هذا الذي أراه مناسباً, فسوريا ستستمر في مصيرتها نحو التشرزم والإنقسام .. لأن زمن التفرد بالحكم على حساب الآخر لم يبقى له مكان في عالم سوريا بعد الآن.

     أحمــــــد قاســـــــــم
  الكاتب والسياسي الكوردي السوري    
   19\4\2013





جميع الحقوق محفوظة @ 2015 صـــوت الكـــــورد sawtalkurd .

التصميم من قبل Sawtalkurd | ألوان