أحمد قاسم :
لقد طال أمد الإنتظار للحل المنتظر من الجانب الدولي.. كان من الممكن فرض حل في بداية الثورة السورية, حتى قبل التسلح وإشعال فتيل حرب طالت أمدها وحرقت كل ما وقعت تحت لهيبها. الحرب في سوريا تبدو أكثر سخونة ولهيباً, حتى أنها بدت وكأنها تهدد محيطها الإقليمي بشكل فعلي عندما تقترب منها رجال الإطفاء تلبية لنداءات الإستغاثة التي تعودت على سماعها آذان العالم أجمع, وكأنهم يتسمعون على أغنية غير مفهومة من حيث ما يحل بهذا الشعب الذي وقع فريسة للإبادة الجماعية من دون أن يتأمل بحلول قد تكون قريبة المنال, في الوقت الذي عجز المجتمع الدولي للتدخل أو استعجز تلبية لرغبات دولية ذات الشأن.
أعتقد أن مستوى التدمير الذي لحق بسوريا طوال سنتين من عمر الثورة, وعدد القتلى والمهجرين والمعتقلين تجاوزت حدود فرص التدخل العسكري, والتي لم تعد تبحث في هذه الأيام في اروقة الدبلوماسية الدولية. لقد استفادت أمريكا ومعها اوروبا من تجاربها السابقة عند تدخلها المباشر لأفغانستان والعراق وليبيا من أجل محاربة الإرهاب وفرض أنظمة ديمقراطية تكافح الإرهاب وتشارك المجتمع الدولي في استتباب الأمن والإستقرار الإقليمية والدولية, بغية فتح المجال أمام إستثمارات مختلفة لشركات عملاقة تعلن إفلاسها في كل من أمريكا وأوروبا جراء تضايق فرص العمل أمامها في النصف الأسفل من العالم وخاصة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. حيث صرفت أمريكا وحلفائها التراليونات من الدولارات في تلك المناطق ولم تستطع فرض حلول ديمقراطية على شعوبها, عوضاً عن الخسائر العسكرية التي راحت ضحيتها الآلاف من العسكريين في صفوف الجيش الأمريكي وحلفائها الأوروبيين. ومنذ عقد من الزمن والحال لم تتغير بالنسبة للأمن والإستقرار في كل من أفغانستان والعراق, بالإضافة إلى تونس وليبيا ومصر واليمن أيضاً. من هنا أخذت الإدارة الأمريكية درساً على أن التدخل العسكري في المنطقة لإزالة نظام وتبديله بنظام آخر قد يكون أكثر سوءاً, سوف يضر بالمصلحة الأمريكية على المدى المنظور, وخصوصاً في حالة سوريا التي تبدو مغايرة عن بقية الحالات الأخرى وفي مناطق أخرى.
لقد أثبتت إيران بأنها لن تتخلى عن نظام الأسد وسوف تدافع عنه إلى آخر أيامه , وكذلك روسيا ومعها الصين, ناهيك عن عشرات منظمات إرهابية تستثمر بشكل خفي دفاعاً عن التحالف السوري ـ الروسي ـ الإيراني على المستوى الإقليمي والدولي. ولتفادي حروب إقليمية قد تشتعل جراء تدخل عسكري من جهة, وعدم دفع فاتورة التغيير في سوريا, وقد تكون باهظة الثمن في حالة التدخل العسكري من جهة أخرى, أتخذت الولايات المتحدة الأمريكية ومعها حليفتها أوروبا موقفاً تنآى بنفسها عن التدخل المباشر عسكرياً مع الحفاظ على الدعم المدني للمعارضة من أجل الإستمرار في حربها ضد النظام.. ففي هذا الصدد, اتخذت الولايات المتحدة استراتيجية الدعم المتزن بحيث لن تستطيع النظام إرضاخ المعارضة سياسياً وعسكريا من جهة, ومن جهة ثانية حث المعارضة على توحيد طاقاتها بحيث تتمثل في إطارها جميع مكونات الشعب السوري القومية والدينية والمذهبية مفترضة على أنه من اللازم أن يكون النظام البديل نظاماً ديمقراطياً تعددياً يحترم حقوق الإنسان ومبادئه, ملتزماً بالحفاظ على الأمن والسلامة الدوليين.. وهذا ما يدفعنا إلى التحليل التالي:
إن الولايات المتحدة فشلت في فرض أنظمة ديمقراطية في بلدان تدخلت عند تغييرها عسكريا مع تكلفتها خسائر باهظة.. الآن وهي تواكب التجربة السورية التي تبدو مغايرة عن كل التجارب الأخرى. حيث اتخذت موقف الدفاع عن الشعب السوري في إطار دولي عاجز عن أخذ قرار التدخل, لتترك الشعب السوري من دفع فاتورتها بدمائها خلال استمرارية ثورتها, والتي تبدو ظاهرياً مختطفة من قبل الإسلامويين المتشددين .. لتنتظر مدى استطاعة المعارضة المسلحة على الإنتصارات الإستراتيجية والإنتشار نحو أكبر مساحة من الأرض, والعمل بالتوازي دعم القوى اليبرالية والديمقراطية المفتتة والمنقسمة على نفسها, من أجل تشكيل معارضة مدنية ديمقراطية تكون البديل القادم للنظام بتسوية على طاولة المجتمع الدولي, بعد تعرية القوى الإسلامية المتشددة بين الجماهير, على أنها في حال استلامها للحكم ستكون أكثر مضرة من النظام البعثي.. هذا, مع دفع المعارضة الوطنية والديمقراطية ممارسة الديمقراطية وقبول الآخر في حالة الثورة المستمرة لقطع الطريق أمام الأصولية المتشددة ونبذها.
أعتقد أن ما أسلفت تتطلب وقتاً لتحقيق ذلك, فلا بد أن إطالة هذه الحرب ستكلف الشعب السوري المزيد من القتل والتدمير والتهجير, في وقت أصبح كل مكون من مكونات الشعب السوري تراجع حساباتها وفقاً لمصالحها وخصوصيتها في إطار الدولة السورية القادمة, وهذا ما يدفعنا الى القول بأن سوريا في حالة إستمرار الحرب تتجه نحو تشكيل كانتونات عرقية وطائفية .. مما تجعلنا أن نضع تسوية للحل التصالحي والتوافقي في الحسبان, وهذا ما يذهب اليه النظام بدعم روسي وإيراني, وموافقة أمريكية على المدى القادم.
أحمـــــــد قاســـــــــم
الكاتب والسياسي الكوردي السوري 22\4\2013