حسني كدو :
صفقة سلام مع الكورد يمهد الطريق الى دستور جديد لتركيا .
هنا في آمد عاصمة كوردستان تركيا , وفي مقبرتها العتيدة تجلس زهرة كاكان على حافة قبر مغطاة بالزهور وهي تصلي بخشوع وهدوء , انه قبر ابنها سرخبون ( الإنتفاضة ), البالغ من العمر 30 عام , والذي قتل في يناير في اشتباك مع القوات التركية على الحدود العراقية , حالة زهرة كحالة مئات
الأمهات اللواتي فقدن فلذات اكبادهن امثال عكيد , شورش , جمشيد, نايف ,نوري , محمد خير , ولات ,خبات , كردستان و بهار وغيرهم من خيرة الشباب الذين كانوا في صفوف حزب العمال الكوردستاني , مئات القبور معلمة بأشرطة مزركشة من اللون الاحمر والاصفر والاخضر كشواهد نقشت على حجارة الرأس لهذه القبور , هذه الألوان شواهد على هوية وجنسية سكان هذه المقبرة المعروفة بأسم (يانيسهير ).سبحان من غير الأحوال , قبل سنين قليلة لم يكن بالإمكان الإفصاح عن هوية المتوفى أو وضع شواهد على القبور , ولا حتى التحدث والبكاء بلغتنا الكوردية على قتلانا , لا أحد يصدق اننا اصبحنا حر انفسنا ....؟ ثم يستدير يارين آبي , وهو لاجىء كوردي سوري , لقد كنا نخاف ان نتحدث الكوردية حتى مع أقاربنا هناك في سورية ألأسد.
الأكثر دراماتيكية , رجب طيب أردوغان كان يجري محادثات سرية مع حزب العمال الكوردستاني بوساطة بريطانية ودانمركية , وبطلها رئيس دائرة الإستخبارات الوطنية ومكافحة الجاسوسية فيدان هاكان ثم يعلنهاعلى العلن ,ويرسل وفودا الى أميرالي لمقابلة آبو.
.لقد قيل بانه تم إبرام صفقة أولية بين مدير الجاسوسية التركية فيدان هاكان والزعيم عبدالله أوجلان , يمهد الطريق لإتفاق تاريخي بين الكورد والترك ويحقن المزيد من الدماء .
نقاد أردوغان في هرج ومرج , ومد وجزر , وهم يصرخون " لقد اصبحت وحدة الجمهورية التركية على المحك " لكن الكورد وأجدادهم قاتلوا وناضلوا مع الترك منذ أيام السلطنة , وقاتلوا مع أتاتورك في حرب الإستقلال , ولكن اتاتورك غدر بهم, و وعوده بالإستقلال الذاتي تحول الى وحشية وفظاعة قل نظيرها , وها هو العدل قد يسود أخيرا..........
ترد الخطوط العريضة للميثاق في رسائل وجهها السيد أوجلان عبر حزب السلام والديمقراطية الى صقور قادة الحزب في جبال قنديل والى القادة الموجودون في أوربا. الصفقة طموحة وبسيطة ," حزب العمال الكوردستاني سيتخلى عن الكفاح المسلح الذي عمره 29 عام, وسيتخلى عن الحكم الذاتي , حيث السيد أوجلان نفسه قال بانه يحبذ الدولة الوحدوية على الدولة القومية".
هناك بالمقابل البرلمان الذي يهيمن عليه أردوغان رئيس حزب العدالة والتنمية والذي سيمرر اصلاحات من شأنها تحرير الالاف من النشطاء الكورد من السجون التركية وتمكينهم من السعي لتحقيق أهدافهم السياسية عبر الدستور و دون المخاطرة بالسجن .
وكجزء من هذا , سيتم إستبدال الدستور الحالي الذي وضعه الإنقلابين من الجنرالات في إنقلاب عسسكري في عام 1980 , وإسستبداله بقانون ديمقراطي متكامل يلبي كافة مطالب الكورد , و سيلغى عبارة كل مواطني تركيا أتراك , كذلك عبارة ممنوع التعلم بغير اللغة التركية , كما سيتم تعزيز الحكم الذاتي الإقليمي .
ويشكو عثمان بايدمر من حزب السلام والديمقراطية وهو عمدة و رئيس بلدية ديلر بكر " تحت دستور نظامنا المركزي الحالي يداي مقيدتان تماما وانا اواجه 24 حالة منفصلة بتهم تتعلق بالإرهاب , ولا استطيع أن اسمي حديقة بأسم احد ناشطي حقوق الانسان (تركي االأصل ) لان القاضي في أنقرة قال لا".
السلام مع الكورد عامة ضرورة حتمية لتركيا, حتى تستطيع أن تلعب دورها القيادي والإقليمي في المنطقة , النفوذ الكوردي السوري من خلال حزب ب ي د , كوردستان العراق دولة مستقلة غير معلنة وفيها الالاف الشركات التركية , وكوردستان ايران , ثم الكثافة البشرية , وأخيرا الإقتصاد و المخزون النفطي في كوردستان, كل هذه اسباب جوهرية تدفع بتركيا ان تحل القضية الكوردية , بالإضافة الى طموح اردوغان الشخصي بأن يحول النظام الى نظام رئاسي قوي وأن يصبح رئيس تركيا بصلاحيات واسعة , بمساعدة حزبه وحزب السلام والديمقراطية, وهذا قد يعمل منه دكتاتورا وسلطانا كما يصفه معارضوه .
الترك والكورد معا على متن سفينة تتقاذفها الأمواج والرياح , ولكن أردوغان يتلقى كل الدعم من حزبه ومن غالبية الشعب التركي بسبب إصلاحاته الباهرة , وبسبب تقاربه من العالمين الأسلامي والأوربي , ولكن معالم خريطة الطريق مع أوجلان لا تزال غير واضحة , وهناك أزمة ثقة كبيرة بين الطرفين وسببها عقود طويلة من المأسي والويلات , و عدم الثقة بالحكومات التركية المتتالية وبالدولة التركية التي لم تف بأي وعد من وعودها , وثمة كوردي يقول ان الدستور وحده لا يكفي , وانما يجب تطهير النفوس وإخلاص النيات بين الطرفين وفتح صفحة جديدة . .
لقد قالت زهرة كاكان ان ما يجري في مقبرة ينيسهير, في دياربكر خير دليل على سبب انعدام الثقة بالدولة التركية , ان القوات التركية لا تحترمنا , ولا تحترم موتانا , ولا الطقوس الدينية الكوردية , وانها تشوه وبفظاعة جثث المقاتلين من الكريلاء الكوردية , واننا لا نستطع ان ندع أهاليهم يلقوا عليهم نظرة الوداع بسبب تشويههم بعد قتلهم , ثم تتنهد زهرة كاكان " المدافع و البنادق هي التي جلبت وحققت لنا مطالبنا وحقوقنا , وارجوا أن لاتهدر بدون مقابل .................. "
ان سجل آردوغان الشخصي والسياسي , بالإضافة لمهارته وشجاعته في التعامل مع القضايا الكبيرة , يؤهلانه ان يضمد جراح تركيا الكبيرة , كما ان إحتضانه الجريء لكورد العراق داخليا و خارجيا جعل منه قائدا ناجحا , وهذه العوامل تجعل منه شخصية محل ثقة و إحترام , ليس فقط لدى حزب العدالة والتنمية , بل لدى كافة الشرائح والمشارب والأعراق التركية . إنتهى ترجمة المقال .
واليوم الشعب الكوردي ينتفض مع شقيقه السوري , و يحتفل بعيد نوروزو, عيد أزادي , عيد التحرر ضد الظلم و الإستبداد , ضد الإقصاء والتهميش , انه يتذكر شهداء الثورة الكوردية والسورية , ويتذكر مطرقة كاوا الحداد ,ذاك الثائر الذي هشم وحطم جمجمة المستبد ضحاك قبل ألالاف السنين , واشعل نار الحرية , ورفع مشعلها عاليا على قمم جبال كوردستان وسهولها . نعم الشعب الكوردي في سائر بقاع العالم , وفي كل شبرمن قمم جبال كوردستان , وفي كل قرية ومدينة ,وكل موقع ارتوى بدماء الشهداء يضع يده على قلبه ويتذكر شهداءه , ويسال نفسه ويتسأل ماذا يجري من حولنا ؟ وهل سيذهب كل شيء مهب الرياح , ومقابل كلام سفسطائي لا يساوي قيمة الورق والحبر الذي سيكتب عليه , لكن آهل مكة ادرى بشعابها ,و المشوار طويل وثمن الحرية ومهرها باهظ , وان شعلة نوروز الذي اشعلها كاوا الحداد سيبقى الى أبد الدهر ...................؟
.
مشاهدات ومقتطفات من الصحافة العالمية
ترجمة: حسني كدو
20 -3 -2013

