عائدون بحلة جديدة

موقع قيد الانشاء

أحمــد قاسـم : العلويون في سوريا من المشكلة الى الحل


أحمــد قاسـم : 

لقد تناولت هذا الموضوع لحساسيته الفائقة, ومدى خطورته على مستقبل سوريا والمنطقة بأسرها. فلا يخفى على أحد, أنه, وبعد استلام حافظ الأسد الحكم في سوريا قام بإجراءات مست جوهر أركان الدولة التي بنيت عليها من حيث التغيير في بنيتها الأساسية وبناء مؤسسات بحيث يشارك جميع أطياف وفئات المجتمع السوري في تلك

 المؤسسات وتحت يافطة البعث, لكنه في حقيقة الحال كان يضع تلك المؤسسات تحت وصاية ومراقبة عناصر من أقربائه ومن الطائفة العلوية, وفي دونهم كان يشغل المواقع من قبل أناس ضعفاء يريدون التستر والوصول إلى دائرة السلطة ولو في حدها الدنيا أو الأوسط. أما المواقع الحساسة تم تسليمها إلى من يوثق بهم من طائفته وخاصة الأجهزة الأمنية بجميع أفرعها والمواقع القيادية في الجيش بجميع تشكيلاته الجوية والبحرية والبرية. حيث حكم الدولة بقبضة أمنية ةبمنهجية فائقة الدقة للحفاظ والإستمرارية في الحكم.

كانت أحداث أوائل الثمانينيات من القرن الماضي محطة مفصلية بالنسبة لحكم الأسد, ليقوم بترميم تلك المؤسسات من جديد ووضع أسس أكثر دقة في إدارة البلاد من خلال تمكين الأجهزة الأمنية من حيث الصلاحيات والدعم اللوجستي اليهم لمراقبة كافة تحركات المجتمع, من الجامع إلى الكنيسة , ومن المقاهي الى النوادي, ومن المضافات إلى داخل كل منزل, ناهيك عن الجامعات والمدارس والإتحادات والنقابات المهنية والعلمية والثقافية... كانت العناصر من الطائفة العلوية تتغلغل بين المجتمع كخلية نحل, بحيث لن يمر لقاء بين اثنين ويكون لهم العلم بذلك... وبهذا الشكل تم خنق كل أنواع من الحريات الثقافية والسياسية والاقتصادية والفنية والفكرية, مما جعل من سوريا أرضاً قاحلة من كل ما هو ضروري لتطوير الإنسان ووعيه الفكري والثقافي والإقتصادي...حيث جعل من الإنسان أن يرعب من سماع صوته خوفاً من أن يسمع أحدهم من خلف الجدران ويفتري عليه على أنه ضد الحكومة أو شوه اسم الرئيس إفتراءً ليضيع في غياهب السجون. وبهذه الطريقة جعل من سوريا جمهورية الخوف والرعب والإرهاب... ولكن المؤسف جداً أنه شارك رموزاً من طائفته لتنفيذ سياساته الأمنية وأطلق يد من توظف في الدولة من الطائفة العلوية لينشر الرعب والفساد في كافة مؤسسات الدولة عمودياً وأفقياً, وكذلك بين المجتمع بجميع فئاته ومكوناته. إلى أن جعل من الموظف عنصراً يتعامل مع الأجهزة الأمنية مجبراً وإلا سيطرد من عمله أو وظيفته. مما أدى إلى أن تكون جميع دوائر الدولة مراكزاً أمنياً تراقب الناس وترفع التقارير عن كل شاردة وواردة, إلى أن وصل الحد للتدخل بين زوجين في عائلة واحدة... كل هذه الإختناقات أدى إلى أن يتراكم الكره في نفوس الناس تجاه العنصر العلوي وتعميق الشرخ المجتمعي بين العلويين والمكونات الأخرى, وخصوصاً السنة منهم.

رحل الأسد الأب وجاء الأبن ليكمل سياسة والده.. لكن عصره تغير. وموازين القوى في العالم أيضاً تغير بعد انهيار الإتحاد السوفيتي وانتهاء مرحلة الحرب الباردة, لتطل الحريات على جميع منافذ الحياة في بقاع العالم, وسوريا لم تستثنى منها. تحركت النخبة السورية باتجاه الرئيس الإبن لتطلعه على المتغيرات في العالم ونصحته على أن يسلك طريق الإصلاح والتغيير الديمقراطي التدرجي في البلاد, وإعطاء شيء من الحريات العامة للناس وفك الخناق عن الإعلام وإبداء الرأي في إطار خدمة البلاد العامة والسماح بفتح منتديات للحوار الإستراتيجي والمنهجي وكذلك تشكيل أحزاب وفق معايير وطنية إستناداً إلى دستور عصري يشارك في صياغته النخبة الوطنية من جميع مكونات الشعب السوري .. ولتبدأ سوريا مرحلة التغيير الديمقراطي السلمي بقيادة الرئيس, و من دون تدخل خارجي..كل هذا جاء في مذكرة قدمها إئتلاف إعلان دمشق عام 2005 . لكن ومع الأسف الشديد كان الرد قاسياً جداً على تلك النخبة الوطنية الصادقة عندما أمر الرئيس باعتقال أعضاء أمانة الإعلان وزجهم في السجون بتهمة إضعاف الروح والإنتماء القومي أو التمهيد لتجزئة سوريا. .. أعتقد أن ما قام به الرئيس في حينه, كان قطع خيط الأمل بينه وبين المجتمع السوري, وكذلك نزع الثقة التي تخيل المجتمع بان الرئيس قد يكون صادقاً في وعوده عند استلام الحكم عام 2000 بعد وفاة والده, ومن خلال خطاب القسم في مجلس الشعب. ووضع الشعب السوري امام جدار لايمكن ازالته بالحوار والترجي والبيانات والخطابات. فكان لابد من البحث عن طرق أخرى للضغط على السلطة والرئيس من أجل التغيير الديمقراطي في سوريا... وبالتوازي مع البحث اشتد الخناق على تحركات بين النخبة وكوادر الأحزاب السياسية التي كانت هي الأخرى تعاني من ضعف شديد لتضييق عليهم مساحة التحرك والعمل السياسي, لتبدأ مرحلة الإعتقالات بشكل عشوائي وتقديم المعتقلين إلى المحاكم العسكرية, وكأن سوريا دخلت في حالة حرب لتنفذ حالة الطواريء على جميع التحركات الإجتماعية إلى أن أوصلت بها الحال إلى ما نحن عليه الآن.

 اندلعت الثورة السورية في 15 آذار 2011 بشكل سلمي واحتجاجاً على الممارسات الأمنية تجاه المجتمع السوري, حيث كان إعتقال أطفال درعاة وتعذيبهم السبب المباشر لبدء الثورة بشكل انتفاضة سلمية نددت ما قامت بها الأجهزة الأمنية تجاه هؤلاء الطفال من تعذيب وحشي لا يتحمله الحس الإنساني. فكان رد فعل النظام قاسياً جداً من خلال استعمال العنف المسلح ضد المحتجين, حيث استشهد العديد من المتظاهرين برصاص قوات الحرس الجمهوري الذي تدخل بشكل مباشر لقمع المتظاهرين العزل, لتتطور الحالة من درعاة الى حالة شعبية جامعة في كل البلاد تأييداً للإنتفاضة التي انطلقت من درعاة ولتعم البلاد حالة من السخط والإستنكار لمى قام به النظام من عنف مسلح ضد المتظاهرين. وبتصرف دموي من قبل النظام وأجهزته الأمنية وإفلات يد عصابات الشبيحة لقمع الإحتجاجات بشكل وحشي, واختيار بشار الأسد الحل الأمني واستعمال العنف, مما أدى إلى قتل الآلاف من المواطنين واعتقال عشرات الآلاف, مع عدم وجود أية آفاق للحل السلمي من خلال مؤتمر وطني شامل طرحتها النخبة السورية على الرئيس من جديد, والذي قوبل بالرفض القاطع.. اختار الشعب التسلح ومقاومة النظام بالعمل المسلح من خلال بدء الإنشقاقات في صفوف الجيش السوري...

هنا تبدأ حالة كانت سوريا بغنى عنها, عندما تخندقت غالبية الطائفة العلوية مع النظام في كثير من المواقع, مع الإلتزام بالصمت الممنهج من قبل البعض الآخر تجاه ما يجري من إبادة جماعية ضد الشعب  السوري من قبل النظام لتزيد الشرخ وتعميقه بين هذه الطائفة وبقية المكونات السورية وأخص بالذكر الطائفة السنية من العرب السوريين. وبالتالي توحي للمشاهد وكأن ما يجري في سوريا هو إقتتال بين طائفتين متنازعتين على السلطة, وهذا ما أراد النظام أن يؤكد عليه مراراً من خلال بث هوس الخوف في نفوس الأقليات من مكونات الشعب وبشكل غير مباشر في نفوس العلويين على أن الذي يجري في سوريا مؤامرة دولية ضد سوريا كدولة وسلطته التي أكتسبت سمعة على أنها سلطة ممانعة ضد أعداء الشعب السوري وسوريا كدولة بدعم من سعودية وقطر وبقية الدول الخليجية, ناكراً على أن هناك شعب يريد حريته وكرامته. واتهم في ذلك التنظيمات السلفية العنفية والأصولية المتطرفة, ودخول القاعدة على الخط ليؤكد بشكل غير مباشر على أن المستهدف الوحيد من هذا الحراك هم العلويون من قبل السنة, و كذلك الأقليات الأخرى في سوريا, ابتغاءً منه تحييد القليات وتجنيد العلويين للإنخراط في النزاع المسلح وإجبارهم على خيار الموت أو الحياة في سبيل الحفاظ على النظام الذي يحافظ على امنهم وسلامتهم ومكتسباتهم طوال اربعة عقود. وهنا تكمن الخطورة بمكان. في الوقت الذي اتخذ العلويون موقفاً معارضاً من الإنتفاضة والثورة ضد نظام دكتاتوري فاشي مارس القمع والظلم ضد شعبه طوال خمسة عقود, ووقف الى جانب النظام تحسباً لخطورة المستقبل على وجوده ككيان مذهبي على الأرض السورية, وليكون سنداً لبقاء النظام واستمرار الحالة العنفية التي توحي الى بداية حرب أهلية يدفعه النظام بذلك الإتجاه.

ونتيجة لما وصلت اليها سوريا حتى الآن, أعتقد أن من الواجب الوطني أولاً, وقطع الطريق أمام فتنة طائفية بغيضة ثانياً, يكون الشعب السوري الخاسر الأكبر بجميع مكوناته. على الطائفة العلوية مراجعة حساباتها بشكل مسؤول وجدي ليعلن موقفها من النظام جهاراً, وتطالب المصالحة الوطنية من خلال انعقاد مؤتمر تصالحي وطني شامل, تشترك فيه جميع المكونات من الشعب السوري, لدراسة وضع برنامج وطني تصاغ فيه كافة مستلزمات التي من شأنها إخراج البلاد من دوامة العنف وإسقاط هذا النظام المتآمر على الشعب بجميع الوسائل الممكنة. وكذلك صياغة مسودة دستور جديد تثبت فيه حقوق الحريات الفردية والمجتمعية لكافة تلك المكونات القومية والدينية والمذهبية وخصوصياتها, وتؤمن أمن وسلامة المجتمع السوري بجميع أطيافه , عوضاً عن الأساس الديمقراطي لتداول السلطة في البلاد, مع الحفاظ على أهمية مشاركة جميع مكونات الشعب وفئاته الإجتماعية لصياغة السياسات والقرارات المصيرية في البلاد. عندها أعتقد أن الطائفة العلوية الكريمة تستطيع التحول من أنه هو المشكلة, إلى المشاركة في إيجاد حلول ناجعة, وعندها أيضاً سيتعرى النظام من سترته المهترئة ليكون قابلاً إلى الإنهيار بأ قل الخسائر الممكنة ومن دون تدخل خارجي. وعندها أيضاً ستزيل الخطر عن نفسها من الذين ينوون الضرر بهم في مراحل لاحقة.

أحمــــــــد قاســــــــم
الكاتب والسياسي الكوردي السوري       12\2\2013



جميع الحقوق محفوظة @ 2015 صـــوت الكـــــورد sawtalkurd .

التصميم من قبل Sawtalkurd | ألوان