عائدون بحلة جديدة

موقع قيد الانشاء

د. كاميران حسين : أطباء برسم الهجرة..!


د. كاميران حسين :

تمر سوريا بمرحلة حرجة سياسيا واجتماعيا، فالثورة السورية التي اندلعت منذ ما يقرب من عامين زلزلت المجتمع السوري كله واظهرت فيه الكثير من مواطن الضعف والتراخي كما اظهرت مواطن القوة في المعدن السوري الأصيل

 كرديا وعربيا وغيرهما من مكونات المجتمع، فأمام آلة القتل الهمجية الشرسة للنظام تساقطت الكثير من الرموز السياسية والثقافية التي ظلت على مدى عقود من الزمن تدعي الحديث باسم الانسانية والفقراء وتناقش قضايا الفكر والحرية والكرامة الانسانية، فكم من السياسيين والمعتقلين السابقين والذين سجنوا او كانوا يوما سجناء رأي سقطوا في أول امتحان حر وصاروا مجرد ابواق للنظام تدافع عنه بحجة الحفاظ على السلم الاهلي او ما يسمونه الحفاظ على الوحدة الوطنية و وحدة وسلامة أراضي الدولة السورية.

وعلى الصعيد الكردي شعبيا فقد أظهر شعبنا الكردي مرة اخرى تماسكه و وعيه السياسي الفطري و تكاتفه الاجتماعي أمام التحديات الخطيرة والافكار الغريبة التي تتغلغل اليه من قبل جهات وقوى غامضة تحاول السيطرة عليه نفسيا والحاق الهزيمة النفسية به قبل الهزيمة الفيزيولوجية، وفي هذا السياق أظهر شعبنا الكردي يقظة غير مسبوقة بتكاتفه وتماسكه وتضامنه حتى مع الكثير من العوائل العربية التي نزحت الى القامشلي من مناطق الحرب كدير الزور وحمص وحلب وغيرها من المدن والبلدات السورية ورغم الاوضاع المادية المتردية اصلا في المناطق الكردية التي تعاني من سياسات التفقير والتجويع المطبقة بحقها منذ سنوات الا ان الشعب الكردي هب هبة واحدة ليقدم يد العون والمساعدة لتلك الاسر القادمة غير مبال بالفروق الثقافية والقومية والحضارية بينهم وبين الوافدين.
ومن جهة اخرى اظهرت معظم القوى والاحزاب السياسية الكردية عجزاعميقا امام متطلبات المرحلة و وقفت مترددة امام فهم التطورات والاحداث المتسارعةالتي تهب على المجتمع الكردي فظلت حبيسة خطابها القديم والمكرر والعاجز امام استحقاقات الشارع الكردي والوطني بشكل عام، فاثبتت الجماهير الكردية مرة اخرى انها تسير امام قواها السياسية في فهمها لتطورات المنطقة والاحداث التي تعصف بها.

وهنا لا بد من الاشارة الى مسألة غاية في الاهمية في مدلولاتها السياسية والاجتماعية والتاريخية، فمنذ عقود حاول النظام القمعي تفريغ المناطق الكردية من أهلها وتشتيت سكانها في المدن والبلدات السورية بحثا عن لقمة العيش، حتى صارت الهجرة من البلد حلما يدغدغ أذهان الغالبية من الشباب الكردي والاسر التي تبحث عن لقمة عيش كريمة، وكانت الشرائح المثقفة هي من اول المهرولين لترك البلد والتوجه نحو النعيم الاوربي تحت مسميات ومبررات من مثل : " فقدان الحرية " " قمع النظام للحريات... الخ .".
واليوم والثورة قائمة على قدم وساق وفي وقت يخطط الكل ويفكر للمشاركة في رسم مستقبل البلد بشكل عام والمنطقة الكردية بشكل خاص نرى استمرارا في نزيف الهجرة الخارجية ومرة جديدة بحجة عدم توفر الامان. وقد ظهرت في الفترة الاخيرة ظاهرة جديدة في المجتمع الكردي الا وهي هجرة الأطباء الكرد نحو بلاد الغرب، بعد ان ملؤوا حساباتهم من نقود الفقراء والمعدمين من ابناء شعبنا الذين احتضنهم عندما كانوا اطباء أغرار ومغمورين، فتعلموا وتدربوا على آلام شعبهم وتاجر الكثيرون منهم بها حين تجاوزوا مهماتهم الطبية والمهنية واختاروا مهنا هي اقرب الى التجارة بمشاعر البشر.

وهجرة الاطباء هي ظاهرة خطيرة جدا، وتشير اول ما تشير اليه الى مسألة اخلاقية قبل ان تكون المسألة وطنية، فمهنة الطب هي مهنة اخلاقية قبل كل شيء.والطبيب يقسم عند تخرجه بتقديم المساعدة ومد يد العون الصحي لكل من يحتاجها بغض النظر عن خلفية المحتاج القومية او الانتمائية، واليوم ومناطقنا الكردية تمر بظروف اقتصادية بالغة السوء وظروف صحية سيئة بسبب الحرب الدائرة في سوريا وبسبب سياسات التجويع والتجفيف التي تتعمدها الكثير من الاطراف في سوريا حيث ومنذ اشهر تعاني المنطقة من شح خطير في المواد الاستهلاكية والغذائية والوقود والاتصالات والكهرباء.

امام هذه الظروف الصعبة وفي هذه الاوقات العصيبة وبدلا من ان يأخذ الاطباء الكرد عبرا من قصص التاريخ والثورات وما قام به الاطباء في بقاع الارض خلال الثورات التي قامت في بلادهم، وبدلا من ان يتحولوا الى جنود مجهولين ليقدموا الرعاية الصحية والمساعدة لشعبهم الكردي الذي طالما ادعوا انهم في خدمته، نراهم اليوم يديرون ظهورهم لآلام الناس وكمن لا يصدق حين تتاح له فرصة الهرب والتنصل من واجبه الانساني تجاه شعبه، اذ نرى ونسمع كل يوم عن الطبيب الفلاني والاخصائي العلتاني قد هاجر الى السويد.. او الى فرنسا اوالى المانيا.. دافعين اجرة طريقهم وهروبهم من نقود كانوا قد كسبوها من مرضى فقراء وبائسين من شعبنا العظيم, وكما لو ان الوطن فندق لاقامة عابرة يتركونه لمجرد ان ساءت فيه الخدمات.

وكي لا نكون كمن ينظر الى النصف الفارغة من الكأس، فلا بد من القول ان هناك من الأطباء ممن يواصلون الليل بالنهار وهم يقدمون خدماتهم ورعايتهم الصحية للفقراء والمحتاجين والجرحى من ابناء شعبنا، ان شعبنا لا ينسى، والتاريخ سيسجل للجميع عما يفعلون.





جميع الحقوق محفوظة @ 2015 صـــوت الكـــــورد sawtalkurd .

التصميم من قبل Sawtalkurd | ألوان