أحمـــد قاســــم :
هكذا وصف حافظ الأسد ( أن لبنان الخاصرة اليمنى لسوريا, منها تأتي التهديد لأمن وسلامة النظام في سوريا, وبها يستقر الأمن ويتقوى النظام ). كان الأسد في وصفه للبنان دقيقاً عندما تدخل في الشأن اللبناني بحكمه على أن
شكل النظام في لبنان كما هو شأن لبناني فهو شأن سوري أيضاً لما له إنعكاسات على الداخل السوري سياسياً وإقتصادياً وثقافياً وأمنياً. لقد كان لحافظ الأسد الأيدي الطولى في زعزعة الإستقرار في لبنان بين مكونات شعبها, وخلق نوع من الصراع الطائفي والمذهبي والعنصري ومن ثم البدء بحرب أهلية بين الأفرقاء لخلق حالة من التهديد الأمني إقليمياً ليتثنى للنظام السوري التدخل المباشر والسيطرة على قرار الدولة والشعب اللبناني, كما شاهدنا وعايشنا تلك الحالة المأساوية التي بدأت عام 1975 لتدفع بجامعة الدول العربية إلى اصدار قرار عربي من شأنه تشكيل قوة ردع عربية لفك النزاع بين الأفرقاء. فكان ما كان ليسيطر النظام السوري على لبنان بأكمله الى عام 2005 بعد إغتيال رفيق الحريري ليخرج من لبنان مهزوماً. وليس خافياً على أحد على أن الشعب اللبناني إنقسم الى كتلتين متنازعتين فيما بينهما ليستمر نفوذ السوري من خلال كتلة ما تسمى ب 8 آذار التي يقودها حزب الله وميليشياته المسلحة.
حاول بشار الأسد اتباع سياسة والده من خلال تعامله الأمني مع الشأن اللبناني, لكنه استغفل عن أن الظروف تغيرت بعد الحادي عشر من أيلول عام 2001 على خلفية تفجير نيويورك الإرهابية. وكذلك استغفال التعامل الدولي والإقليمي الذي تغير في مواجهة الأخطار الإرهابية عبر القارات ودعم الأنظمة الديكتاتورية لحالة الإرهاب من أجل الحفاظ على بقائها وتهديد واغتيال كل من يطالب بالحرية والديمقراطية والعدالة الإجتماعية, كما شاهدنا سلسلة الإغتيالات التي قام بها النظام السوري لتصفية معارضيه من القيادات اللبنانية كرفيق الحريري وجبران تويني وسمير قصير وبييرأمين جميل والسلسلة لم تنقطع ليكون آخرهم حتى الآن اللواء وسام الحسن الذي كان يتابع قضية الإغتيالات بشكل جدي, وقد وصل إلى حقائق مدموغة على أن النظام السوري وراء تلك الإغتيالات والأعمال الإرهابية.
مع ثورة الشعب السوري وإنتفاضته العارمة تحركت القوى الديمقراطية في لبنان لتأخذ دورها الفاعل من اجل دعم الثورة, حيث أبدت قوى الرابع عشر من آذار تعاطفها المعلن مع الثورة السورية وإرادة الشعب السوري الذي اعلن عن ثورته ضد الإستبداد والفساد والديكتاتورية الظالمة وجمهورية الخوف التي القت بظلالها على جميع قوى الخير والعدل والمساواة في المنطقة.
أعتقد أن الصورة الحقيقية للثورة السورية ستكتمل مع استكمال المشهد اللبناني. حيث أن التاريخ أثبت وبشكل دائم وثابت, على أن بداية إنهيار الأنظمة في سوريا تبدأ من خلال التحرك اللبناني ضد تلك الأنظمة لتحسم الأمر وتضع نهاية محتومة لبقاء نظام يهدد أمن وسلامة لبنان, وليكون الفعل اللبناني الشرط المكمل لفعل الثورة الحاسم من أجل إسقاط اركان النظام, وهذا ما نراه الآن وفي هذه اللحظات الحاسمة مع إغتيال وسام الحسن وتحرك قوى 14 أذار ليسقط النظام اللبناني المساند للنظام السوري. ومن المؤكد إذا توحد الهدف بين الشعبين السوري واللبناني وقيام كل شعب بمهامه ليكمل الآخر فإن سقوط النظام السوري سيبدأ بالإنهيار المفاجيء إن لم نتفاجأ بحروب أهلية طاحنة وعمليات إرهابية قد تحرق البلد وتجاوز حدود البلدين. لكن الثابت في الأمر أن النظام لم يبقى نظاماً يعتمد على شرعيته بل يتحول إلى عصابة تستعمل الإرهاب في مواجهة الثورة الشعبية, والأخطر هو فعل حزب الله الذي سيكون رد فعله جنونياً تجاه إنهيار النظام السوري وإسقاط حائط بقائه كقوة مسلحة بدون منازع. وسيكون رد فعل إيران أكثر شراسة من خلال إدخال منظمات وخلايا إرهابية الى سوريا ولبنان لإشعال المنطقة. هنا يأتي دور مجلس ألأمن ليحسم الأمر ويضع نهاية لمأساة قد تكون فريدة في عمقها التدميري والكارثي, ليقرر ما كان واجب إقراره قبل عام أو أكثر بعد أن يذوق الشعب السوري والشعب اللبناني مرارة العلقم ليعود وينتعش مرة أخرى على انقاض ورماد الحرائق جراء القصف التدميري الذي يتعرض له المدن بأكملها.
إذن, الآن لبنان جزء من الثورة السورية والخاصرة المؤلمة التي بدأت توجع النظام في الصميم, ليتحول المشهد الى أكثر سخونة والتوجه نحو الحسم لنؤكد مرة أخرى ( أن إسقاط النظام في دمشق يبدأ من لبنان وينتهي في قصر الشعب في أحضان قاسيون) عاشت سوريا ولبنان حرة كريمة معافاة, وعاش الشعبين الذين يكملان بعضهما البعض في الشدائد والمحن.
أحمــــــــد قاســـــــــم
الكاتب والسياسي الكوردي السوري 22\10\2012
تم النشر في 12,13 22,10|2012
