عائدون بحلة جديدة

موقع قيد الانشاء

د.آلان قادر : الذاكرة والتاريخ امبراطورية ميديا الكوردية نموذجا



د.آلان قادر : 

منذ ان وجد المجتمع البشري على وجه الأرض وهو في حركة سرمدية دائمة، لا يعرف الهدوء والسكون،انه يتحول،يتغير بصورة ديناميكية،وفق قوانين وسنن ذات طابع
 موضوعي،أي غير الخاضعة لإرادة الإنسان ومستقلة عنه.وهذه الحركة المستديمة الناتجة عن تفاعل عاملي: الموضوعي والذاتي نطلق عليها التطور،الذي يأخذ شكل حلزوني،تصاعدي،أي من الأدنى إلى الأعلى،من البسيط إلى المعقد.يمكن تمييز عدة أشكال من التطور في مسيرة المجتمع البشري نحو الرقي والحضارة:
 1- تطور يسمى ب extensiv أي بمعنى النشوء والإرتقاء[ تظهير وتضخيم ماهو موجود]
 2- تطور يسمى ب intensiv وهو مرتبط بظهور أشكال نوعية جديدة.
 3- تطور ذات طابع exogen أي غير حقيقي، مفروض من الخارج،محدد بالظواهر الخارجية.
 4- تطور ذات طابع endogen أي حقيقي،الذي يحمل في داخله عامل أو مصدر تطوره.
 إذا ان التطور الحقيقي والملموس هو الذي يضمن أو ينقل المجتمع من وضع أدنى إلى حالة أعلى وأرقى كما وكيفا.يمكننا تلمس ذلك من خلال دراستنا ومتابعتنا للعمليات التاريخية وصيرورتها،فلو انطلقنا من مفهوم التاريخ بصفته تعاقب زمني للأحداث العالمية،التي تخلق واقعا محددا قائم بذاته وكذلك تأريخ هذه الأحداث وتدوينها.

لاأسعى من وراء هذه المقالة القصيرة البحث في تاريخ امبراطوريا ميديا الكوردية ذات الماضي التليد،بل التأكيد على قول بعض المؤرخيين البارزين الذين قدموا تقييما موضوعيا لدور وأهمية امبراطوريا ميديا في تكوين و تطور الحضارة الآرية وبناء على حقائق تاريخية ان ميديا وحسب تشخيص المؤرخ الروسي الفذ داندامايف م.آ كانت" مركز الثقافة الروحية والمادية للإيرانيين التي طورها الفرس لاحقا".
فالعديد من المؤرخين يذكرون أن الفرس اقتبسوا الخط المسماري من الميد، كما أن اللغة الأدبية الفارسية تأثّرت كثيراً باللغة الميدية، واتّبع الفرس النظام الإداري الذي كان قائماً في الإمبراطورية الميدية، ولبس معظم الفرس الملابس الميدية، وتحلّوا فيما بعد بالحلي الميدية، بل كان من الأهمية بمكان أن يتلقّى أحد
 الأشراف من الملك الأخميني بذّة مـيدية من باب التشريف.لقد ذكر ديورانت في (قصة الحضارة) أن قصر عمر الدولة الميدية لم يتح لها الإسهام في الحضارة بقسط كبير، لكنه أورد في الوقت نفسه إنجازات حضارية هامة قام بها الميديون، وأخذها عنهم الفرس الأخمينيون، وهي دليل على أن ما أنجزه الميد لم يكن قليلاً؛ قال ديورانت::
 "وقد كانت هذه الفترة قصيرة الأجل، فلم تقدر لهذا السبب أن تسهم في الحضارة بقسط كبير، إذا استثنينا ما قامت به من تمهيد السبيل إلى ثقافة الفرس؛ فقد أخذ الفرس عن الميديين لغتهم الآرية، وحروفهم الهجائية التي تبلغ عدّتها ستة وثلاثين حرفاً، وهم الذين جعلوا الفرس يستبدلون في الكتابة الرق والأقلام بألواح الطين، ويستخدمون في العمارة العمد على نطاق واسع، وعنهم أخذوا قانونهم الأخلاقي الذي يوصيهم بالاقتصاد وحسن التدبير ما أمكنهم وقت السلم، وبالشجاعة التي لا حد لها في زمن الحرب، ودين زردشت وإلهيه أهورا مزدا وأهرمان، ونظام الأسرة الأبوي، وتعدد الزوجات، وطائفة من القوانين بينها وبين قوانينهم في عهد إمبراطوريتهم المتأخر من التماثل ما جعل دانيال يجمع بينهما في قوله المأثور عن ( شريعة ميدي وفارس التي لا تنسخ). أما أدبهم وفنهم فلم يبق منهما لا حرف ولا حجر""
 وقال هيرودوت في تاريخه يصف الفرس الأخمينيين:
 " وليس هناك كالفرس شعب ينزع إلى الأخذ بمناهج من هو غريب عنه، فهم يرتدون أزياء الميديين مثلاً، لاعتقادهم بأن تلك الأزياء أكثر أناقة من أزيائهم ".

 المؤامرة الخبيثة ومصير الكورد!
تعرض أجدادنا الميديون الى مؤامرة خبيثة،محبوكة بدقة متناهية بين مجموعة من النبلاء الميديين الخونة بقيادة وزير دفاع الامبراطورية هارباك وآخرين ارتضوا لأنفسهم بالعبودية للفرس مثل:داتيس مازاريس وغيرهم، من جهة وكورش حفيد آخر الملوك الميديين ازتياك من جهة أخرى.حيث كان من نتائجها سقوط الامبراطورية بأيدي الفرس لقمة سائغة في العام 550 ق.م، خدمت توجهاتهم التوسعية ،اقاموا على أساسها أول امبراطورية عظمى في تاريخ آسيا.
 وبهدف استغفال الميديين لم يلجأ الأخمينيين الى تغيير اسم الامبراطورية حتى بعد سنوات طويلة من سقوطها في مخالبهم،تجنبا لرد الفعل و الثورة عليهم.بيد انه وبعد استتباب الأمر لهم واحكام سيطرتهم على مفاصل الامبراطورية لاسيما في الجيش والاستخبارات والادارة، بواسطة سياسة الاستبعاد والطرد واغتيال العناصر الميدية والغدر بهم عمد دارا الأول تدريجيا الى احداث الكثير من التغييرات البنوية والادارية فيها وفي مقدمتها تقسيمها الى قسمين وضم قسم كبير منها الى آذربيجان.
 في قصيدة شعرية طويلة للشاعر اليوناني الفذ كسيونوفانيس الذي عاش في السنوات: 570-475 ق .م مخاطبا صديقه الحميم الشاعر سيمونيديس الذي عاش في السنوات: 557-468 ق.م يقول له: من أنت؟ سليل من أنت؟
كم كان عمرك عندما جاء الميدي الى بلادنا؟؟
 طبعا يقصد الشاعر بالحروب الطاحنة مابين الفرس واليونانيين ولاسيما معارك: ماراتون في العام 490 ق.م، سالاميس 480 ق.م و بالاتاياي 479 ق.م ،حيث كان العمود الفقري للجيش هو التشكيلات العسكرية الميدية المسلحة تسليحا ممتازا، فحتى ذلك الوقت لم يتجرأ الفرس على تغيير اسم الامبراطورية وان كان بعض المؤرخين يدعون العكس. لذا على الكورد دائما العودة الى تاريخهم القديم لغاية فهم الحاضر أولا وصياغة المستقبل ثانيا،ناهيك عن أخذ العبر والدروس البليغة من هذا التاريخ الذي كتب ليس بالمداد،بل بالدماء الحمراء. يجب على قادة الكورد التمعن جيدا في تاريخنا ودراسته بالتفصيل للحيلولة دون تحول الكورد( كما حدث في تاريخنا مرارا) الى: القط الذي يلتقط البلوط من النار المتوهجة ،كي يأكله الآخرون بهدوء.
 أنشر مع مقالتي هذه خريطة العالم في العام 480 ق.م ،يمكن قراءة اسم اجدادنا الميديين عليها وهي منشورة كملحق
في كتاب المؤرخ الألماني القدير والمتخصص في شؤون العالم القديم أدوارد ماير في كتابه:

Geschichte des Altertums Eduard Meyer
1884-1902 تاريخ العالم القديم المؤلف من خمسة أجزاء كتبها مابين أعوام :
،وهو أهم مرجع تاريخي يختص بتاريخ العالم القديم ولاسيما شعوب الشرق الأوسط.

د.آلان قادر حقوقي ومختص في القانون الدولي العام، رئيس الجمعية الكوردية للدفاع عن حقوق الانسان في النمسا.

النمسا في 08.09.2012
تم النشر في 17,21 08|09|2012 







جميع الحقوق محفوظة @ 2015 صـــوت الكـــــورد sawtalkurd .

التصميم من قبل Sawtalkurd | ألوان