الكاتب هوشنك أوسي .
حين كان الاستعمار الفرنسي جاثماً على صدر الوطن السوري، ثارت الشعوب على الظلم والاستبداد الأجنبي، عبر محطّات مختلفة ، عبّرت عن الهويّة التاريخيّة الاجتماعيّة والثقافيّة الحضاريّة السوريّة. فكانت ثورة، جبل العرب الأشم، بقيادة سلطان باشا الأطرش، وثورة جبال العلويين الشامخة، بقيادة الشيخ صالح العلي، وثورة الكرد في الشمال بقيادة إبراهيم هنانو. وقبل هذه الثورات المجيدة، دخل الجنرال غورو الى دمشق، على جثّة البطل والشهيد الكردي _ العربي _ الإسلامي _ المسيحي _ السنّي _ العلويّ _ التوحيدي...، الأرمني، التركماني، الشركسي، السرياني، الآشوري...، البطل، يوسف العظمة. وعبّر الدور الكردي في الحراك الانتفاضي ضدّ الظلم والطغيان الأجنبي، في انتفاضة بياندور، وقصف عامودا بالطائرات، وفي أحضان غوطة دمشق أيضاً، وفي أماكن أخرى...!. واستمرّ النزوع الكردي للتمرّد والانتفاض، في نوروز 1986 و12 آذار 2004. وحين حاولت الحركة الكرديّة السوريّة خنق ووأد وقتل الشعور بضرورة التمرّد على بؤس الحال، والظلم والجور والغين، وجد هذا الشعور التعبير والمتنفّس الحقيقي في مشاركة الشباب الكردي السوري، الوطني والمثقّف، في الثورة الكردستانيّة المعاصرة، بقيادة العمال الكردستاني، وأثبتوا أنفسهم في هذه الثورة، ولا زالوا يثبتون.
لم تتخلَّ الحركة الكرديّة، وبعض المثقفين الكرد, عمّا مارسوه من تفريغ لطاقة وشحنة الانتفاضة الكرديّة في الثاني عشر من آذار 2004، ولا زالوا يحاولون إبطال مفاعيل الغليان الكردي، ومؤآزرة النظام الفاشي الأسدي، البعثي، إن بشكل مباشر أو بغيره. وذلك، عبر العزف على أوتار الواقعيّة والعقلانيّة، وضبط النفس، والاصرار على التسوّل السياسي. ولعل هذا ما يمكن تسميته بالعمالة الموضوعيّة للنظام السوري، التي تتقاطع مع العمالة الذاتيّة التي تمارسها بعض الشخصيّات المفلسة، والموبوءة، المتاجرة بالوطنيّة السوريّة، مدفوعةً من النظام السوري.
نظام بشار الأسد، ودعمه ومساندته للمجرم الوحش، القذّافي، لم تعد مستورة ومخفيّة. ذلك أن المجرمين، حين يحسّون بدنو الخطر، يعاضدون بعضهم بعضاً. ناهيكم عن أن سقوط القذّافي، سيساهم في إسقاط نظام بشّار الأسد، أكثر من تأثير سقوط نظام بن علي وحسني مبارك. لأن سقوط القذّافي، سيفضح ملفّ تورّط نظام الأسد الأب، في خطف وتصفية الإمام موسى الصدر، وما لهذا الحدث من منعكسات على شيعة لبنان، اللهم أن يكن نبيه برّي وحسن نصرالله يعرفان ان الأسد الأب هو من أمر باختطاف الصدر وتصفيته في ليبيا. وسيكشف سقوط القذافي جرائم قذرة أخرى، تورّط فيها حافظ الأسد معه، في أماكن عديدة من العالم. وبالتالي، بشار الأسد، يدافع عن نظامه الوحشي والدموي، في ليبيا، عبر الإسهام الفعّال، في المذبحة التي يرتكبها القذّافي بحقّ شعبه. ولكن، سيقط القذّافي، وستنفضح حقيقة قذارة ووحشيّة وكذب ودجل النظام السوري، أكثر فأكثر، حول كلامه عن العروبة وحماية قضاياها، ورفع لواءها!.
كل أسباب ومسوّغات ومبررات الثورة السوريّة باتت جدّ ناضجة. وأي تأخير، سيزيد من آلام الوطن والشعوب السوريّة. التاريخ لا ولن يتسامح مع من يخذله.
على الشعب الكردي السوريّ، في كل بقعة من بقاع الوطن السوري، أن يكون الى جانب أشقّائه وشركائه في الوطن. وبالتالي، لا يوجد أي مبرر لعدم توجيه الحراك السياسي الكردي والعربي الدعوة الى الانتفاضة الوطنيّة الديمقراطيّة العارمة على النظام السوري الفاسد. على الشباب الكردي، الحرّ الأبيّ، ألا ينصت لدعوات الجبن والخذلان التي دأبت بعض الجهات والشخصيات الكرديّة السوريّة إطلاقها. هذا الوطن بكل أبنائه، ولكل أبنائه، في السرّاء والضراء. الوقت ليس وقت المحاسبة والمساءلة عن سبب عدم تجاوب الأخوة العرب مع انتفاضة الكرد في آذار 2004. اللحظة الوطنيّة الثوريّة الديمقراطيّة تنادي أحرار الشعب الكردي وكل الشعوب السوريّة. هذه اللحظة، لا ينفع فيها التردد والخوف والحسابات الضيّقة والمراهنات الفاشلة. ذلك ان الرهان على النظام، في سعيه نحو الإصلاح والتغيير الداخلي، سقط، منذ اغتيال ربيع دمشق على يد الأسد الابن. هي لحظة المواجهة مع التاريخ، مع الراهن، مع المستقبل. هي لحظة المواجهة مع الذات، وتبنّي الخيار الثوري العاجل والحسم بين؛ أن تكون مع الفساد والاستبداد، أو أن لا تكون. الحياد والترقّب والتمهّل، هو تورّط في وحشيّة النظام. ويجب أن تكون لقامشلو وديرك وتربه سبي وعامودا والدرباسيّة وسريه كانيه وكوباني وعفرين...، أن تكون لها كلمتها، وأن ينبض قلوبها مع درعا وديرالزور وحلب وحمص ودمشق. يجب على المدن الكرديّة في غربي كردستان، أن تهبّ في نجدة المدن العربيّة السوريّة الأخرى. وإلاّ، لا معنى لأيّ كلام عن الوطنيّة والديمقراطيّة والعيش المشترك في الوطن المشترك، إذا بقيت مدننا صامتة. صمتنا الآن، هو وقود الاستبداد والفساد الحاكم في دمشق. الصمت الآن، لن يغسله الكلام غداً. يجب ألاّ يكرر الكرد في آذار 2011، ما فعله الأخوة العرب 12 آذار سنة 2004، حين كانوا ينظرون بعين النظام الى الانتفاضة الكرديّة السوريّة. الوطن السوري ينادي، ويجب أن تلبّي كل الشعوب السوريّة هذا النداء، عبر وقفة وطنيّة ثوريّة ديمقراطيّة ضد طغيان وفساد نظام بشار الأسد، وإعلان الانتفاضة، وولادة سوريّة ديمقراطيّة، تعدديّة، حرّة، لكل شعوبها، وبكل شعوبها.
كاتب كردي سوري