صوت الكورد خرجت مع اثنين من أصدقائي من سوريا، وبطريقة نظامية، وبجوازات سفر سورية، وصلنا إلى استانبول، واستأجرنا شقة هناك، المكتب السياحي الذي أمن لنا الشقة، أبقى جوازات السفر لديه، وأعطانا عوضاً عنها، بطاقات مسجل فيه اسم المكتب واسم صاحبه، وأرقام هواتفه.
المهرب التركي
قبل أن نخرج من سوريا، اتفق أحد أصدقائي مع وسيط تركي تعرف عليه عبر مجموعة من أصدقائه الأكراد في شمال سوريا، ليتم تأمين مهرّب لنا، ينقلنا إلى بلغاريا، وقد كان وسيطاً نزيهاً، وأكد لنا أن المهرّب الذي سينقلنا إلى بلغاريا سيكون نزيهاً أيضاً، ثم بعد ثلاثة أيام جاء المهرّب، إلى الشقة التي نستأجرها.
بداية رحلة الهروب
وصلنا ليلاً إلى منطقة "أدرنة"، التي تقع شمال غرب استانبول، بسيارة أمنها لنا المهرّب التركي، وأكد بلغته الانكليزية البسيطة، ضرورة أن نتقيد بتعليماته.
قطعنا منطقة وعرة بسرعة، قبل أن نصل إلى ضفة نهر، وقد كان خائفاً أن نقع جميعاً في أيدي شرطة الحدود التركية، والتي لن تتوانى أبداً عن إطلاق الرصاص علينا، أو اعتقالنا، وزجنا في السجن كما قال، قطعنا المسافة صامتين حذرين، وعندما وصلنا حدود النهر، كان بانتظارنا هناك قوارب صغيرة جداً، ارتدينا سترة خاصة كتلك التي يرتديها البحارة، وعبرنا النهر، وفي الضفة الثانية، أخذ المهرب السترات، والقوارب وأشار إلى الجهة التي يجب أن نسير بها، بجوار سكة القطار، لأنها سترشدنا إلى المحطة القادمة، والتي يجب أن نقطع تذكرة القطار منها، ونركب في طريقنا إلى صوفيا، عاصمة بلغاريا.
سرنا ببطء، ولمدة ثلاث ساعات تقريباً، حين اقتربت سيارة لحرس الحدود البلغار من الطريق الزراعي القريب، تكومنا بجانب بعضنا، نزل الحرس برشاشاتهم وأضوائهم القوية،، أطلقوا الرصاص في السماء، وتحدثوا بلغة لم نفهم منها شيئاً، قبل أن يخرج صديقي من بيننا رافعاً يديه عالياً، ومتوسلاً ألا يقتلوه.
العودة
خلال بضع ساعات، كانت سيارة الشرطة البلغارية تنقلنا إلى الحدود التركية من جديد، وتحت وابل النظرات القاسية، ولغة التهديد المجهولة، عبرنا من جديد الحدود متجهين إلى تركيا خائبين.
كنا نسير في الجهة التي أشار إليها الضابط منهكين خائفين، حين اجتمعت مجموعة من الشباب الأتراك، لا نعرف من اين ظهروا وأخذوا يسيرون خلفنا، كانوا كلما اقتربوا من منزل يطرقون بابه، ليخرج شاب آخر، يناصرهم في السير خلفنا ومراقبتنا بصمت.
استطاع صديقي أن يقنعهم أننا سيّاح، وأننا نستأجر منزلاً في استانبول، وأتينا منطقة "أدرنة" نبحث عن صديق، لكننا ضللنا الطريق.
المختار
اتصل مختار القرية تلك بالمكتب السياحي، الذي استأجرنا المنزل منه، والذي أكد بدوره أن وجودنا في تركيا قانوني، فأعادتنا سيارة تكسي، دفعنا إيجارها أيضاً، إلى شقتنا.
رفض صديقاي أن يكررا المحاولة، وأصرّا على العودة إلى سوريا، في اليوم التالي جاء نفس المهرّب، وقال أنه سينقلنا مرة ثانية إلى بلغاريا، وأنه يقبل بالمبلغ الذي نريد نحن إعطاءه إياه.
أحد أصدقائي اقتنع أن يرافقنا، لكن الثاني عاد أدراجه إلى سوريا.
أحضر المهرّب معه في اليوم التالي ليلاً مصريين، قال أحدهما إنهم عادا من بلغاريا لأن إقامتهما غير قانونية هناك، وإنهما أمضيا في بلغاريا حوالي عشر سنوات، وإنهما يجيدان اللغة، ويعرفان كل المناطق في بلغاريا، لكن يريدان فقط أن يصلا إلى هناك، ثم أضافا، إنهم سيساعدوننا في الوصول إلى صوفيا، ولن يوفرا جهداً لذلك.
عبور النهر
من جديد عبرنا النهر، وسرنا في الطريق الذي أشار المهرب فيه لنا، واقتربت سيارة حرس الحدود، وأطلقوا عيارات نارية، إلا أننا لم نتحرك وحافظنا على انبطاحنا على الأرض، فذهبت السيارة.
عندما نهضنا من جديد وجدنا أن المصريين قد اختفيا، بحثنا عنهما طويلاً بلا فائدة، قبل أن نقرر السير لوحدنا.
جلسنا بظل شجرة كبيرة جانب النهر ننتظر حلول الليل من جديد، حتى نكمل السير، فلقد حذرنا المهرب من الأهالي الذين يسكنون في القرى البلغارية، لأنهم سيخبرون الشرطة.
كنا نأكل بعض قطع الشوكولا، حين اقترب من الطرف الآخر للنهر، رجل يحمل بندقية، ويوجهها إلى صدورنا، اختبأنا خلف الشجرة، وحين يلف الرجل يميناً، نلف نحن حول الشجرة يميناً، وحين يلف يساراً، نلف يساراً، نحاول أن نراه بدون أن يرانا، ثم فجأة طارت بطة كانت في النهر، وهي في السماء أطلق عليها النار، فلم يصبها، ثم مضى في طريقه.
تذكرة العودة
وصلنا في النهاية إلى محطة القطار، ولم نستطع أن نشتري تذكرة، لأننا ببساطة لم نعرف من أين.
وحين توقف القطار حاولنا أن نشتري تذكرة من الموظف الذي نظر ملياً في وجوهنا، ثم اتصل من هاتفه الخاص، وتحدث بلغة غريبة، وخلال دقائق كانت مجموعة من الشرطة يحيطون بنا، وكان بينهم نفس الضابط الذي اعتقلنا في المرة الأولى، نظر الضابط نحوي، ووجه سبابته مستغرباً ومهدداً.
نقلونا إلى سجن في نفس المنطقة، وتشاركنا مع حوالي عشرين رجلاً آخرين غرفة، لا تكاد تتسع إلى ثلاثة أشخاص، بقينا في الغرفة تلك حوالي عشرة أيام قبل أن يقرروا إعادتنا من جديد إلى تركيا.
هذه القصة كما رواها لـ إذاعة هولندا العالمية، المواطن السوري (ف) الذي يعيش حالياً في إحدى المدن السورية، حيث عاد مضطراً إلى هناك بعد فشل محاولاته في الوصول إلى أوروبا.