أحمد قاسم :
بالتوافق مع الدولة التركية الكمالية الحديثة عام 1923 وليثبت الحدود عام 1936 كما نراه اليوم, حيث أن المناطق الكوردية هي امتداد لكوردستان تركيا من الجنوب, وتمتد من الحدود الكوردستانية العراقية من الشرق وبأعماق متفاوتة نحو الغرب على إمتداد الحدود مع كوردستان تركيا لتصل إلى جبل الكورد في شمال اللاذقية, و التي أصبحت الآن (أي جبل الكورد ) مكاناً للمعارك والقصف بين الجيش الحر وجيش النظام...
لقد تعرض الكورد في سوريا منذ إقامة الوحدة بين مصر وسوريا عام 1958 إلى ابشع انواع الإضطهاد والصهر العنصريين من قبل الشوفينية العربية خلافاً عن غيرها من المكونات من الشعب السوري. صحيح أن النظام الدكتاتوري أينما وجد, سيُعرِض شعبه إلى الإضطهاد, كونه لايعترف بحقوق الإنسان أولاً, وكذلك يحكم البلاد بقوة السلاح ولن يتنازل عن الحكم إلا من خلال ثورة شعبية تشترك فيها كل فئات الشعب لإسقاط ذلك النظام, والتخلص من ظلمه وإضطهاده لشعبه. إلا أن الكورد كان يتعرض لإضطهاد مركب, إضطهاد كونه مواطن سوري يشارك بقية الشعب السوري مأسيه والظلم الذي يتعرض إليه من قبل استبداد ودكتاتورية النظام, وإضطهاد عنصري ممنهج من قبل حزب البعث ومؤسساته المختلفة من أمنية وعسكرية والسياسية. حيث كان يحاول هذا الحزب صهر الكورد وتشتيته وتهجيره من مناطقه, لتغيير ديموغرافيتها, وكذلك تغيير أسماء القرى والبلدات والمعالم التاريخية التي تؤكد على أن هذه المناطق إنها كوردستانية وإمتداد طبيعي أرضاً وشعباً لكوردستان تركيا من الجنوب كما أسلفت. أما بقية المكونات الأخرى كانت تشارك الحكم في كافة مؤسساته الإدارية والأمنية والعسكرية, وكذلك السلطات القضائية والتنفيذية والتشريعية ... ولكن الكوردي كان محروماً من كل ذلك, عدا عن تجريد مئات الألوف من الكورد من جنسيته وتحريمه من المكتسبات الطبيعية والقانونية والمدنية في الدولة السورية أسوة بكل مواطنيه... حيث أن تطبيق الحزام العربي والإحصاء الإستثنائي كانتا من ابشع إجراءات عنصرية ضد الكورد, وكانت بقية المكونات من الشعب السوري ساكتين عليها, وهذا مان يؤكد على أن تلك المكونات كانت موافقة على تلك الإجراءات والإضطهاد العنصري ضد الكورد, باستثناء القلة القليلة من المثقفين الذين كانوا يؤكدون لنا على أنهم مع حقوق الكورد لكن بهمسات في أذننا خوفاً من أمن النظام الذي حرم الكورد من فتح علاقات سياسية مع أية مجموعة من مجاميع المكونات الأخرى الثقافية كانت أم سياسية أو حقوقية إن وجدت.
كل تلك السياسات الإستثنائية من قبل النظام الحاكم في سوريا طوال حكمه لخمسة عقود كانت تؤكد دائماً على كوردستانية المناطق التي يسكنها الكورد منذ وما قبل نشوء الدولة السورية إن لم نقل من آلاف السنين, وقبل أن تتوافد إليها وإلى جوارها المكونات الأخرى من الشعب السوري وفقاً لمجريات التاريخ وأحداثها. إذاً, الكورد في سوريا صاحب أرض شارك مع المكون الآخر بنفسه وبأرضه التاريخية, وهذا ما يؤكد خصوصية الكورد كشعب قائم بذاته في دولة سوريا. كشريك مع كامل أهليته الملكية والقانونية والوطنية مع المكون الآخر, ولا يمكن بأي حال من الأحوال إعتباره مواطناً له حق المواطنة كما يحق للآخر مع حذف خصوصيته التي اسلفنا بذكرها... والشراكة لا يعني أن يقوم بواجبه ويحرم من حقوقه كشعب قائم بذاته تجزأ من أمته وفق اتفاقات استعمارية خارج عن إرادته إدبان إنهيار السلطنة والدولة العثمانية في نهاية العقد الثاني من القرن العشرين.
اليوم, ونحن نعاشر ثورة شعبية عارمة تختلف عن كل الثورات التي اندلعت في العالم ضد الإستبداد والدكتاتوريات. حيث تقتل المئات من السوريين وتدمر المدن بكاملها ما يقارب السنتين من عمر الثورة, بعد أن تسلحت الثورة من أجل الدفاع عن المتظاهرين العزل... وتشكُل جيش سمي بالجيش الحر من الذين انشقوا عن جيش النظام.. وتتالت الأحداث والتطورات الإجرائية والمأساوية من عسكرية وسياسية على المستويين الداخل السوري والخارج الدولي... إلا أن الذي حصل مؤخراً من انتشار الفوضى بشكل مخيف, وفقدان مركز القرار السياسي والعسكري للثورة, تشكلت كتائب بمختلف إنتماءات عرقية ومذهبية وطائفية كل تخدم أجندة الدولة التي تمدها بالمال والسلاح, وفي مقدمتهم جبهة النصرة التي أصبحت هي واجهة الثورة المسلحة للثورة السورية تحت يافطة الجيش الحر من دون الخضوع لقراراته. وهي التي تتصرف وفق أجنداتها التي لا تقبل بأي شكل من الأشكال إقامة دولة ديمقراطية تعددية في البلاد بعد إسقاط النظام, وبالتالي لتحافظ هذه الدولة الناشئة حقوق الإنسان المدني والقاونوني, وكذلك حقوق المكونات من الشعب السوري كل حسب خصوصياته العرقية والدينية والمذهبية. ولكن بعكس ذلك نسمع التصاريح المتتالية على أنها, أي جبهة النصرة والمتحالفون معها من السلفيين المتطرفين يسعون إلى إنشاء إمارة إسلامية في سوريا وبلاد الشام , واعتبار المكونات الأخرى من الشعب السوري كرعايا لهذه الإمارة تتعامل معها وفقاً لشرائعها ومعتقداتها. وتلك ما يتخوف منها الشعب الكوردي في سوريا, على أن مستقبل سوريا ماضية نحو المجهول, ولم تبقى للدولة أسسها القانونية والإنسانية ... وعليه, من حق الشعب الكوردي أن ينأى بنفسه السير قدماً نحو المجهول مع تلك المجاميع المسلحة التي اصبحت مخيفة على المستويين الداخلي والخارجي, مع الإحتفاظ بحقه القانوني والشرعي على أنه مشارك في الثورة وفق الأهداف المعلنة من قبل المعارضة السياسية, وأنه يعمل جنباً الى الجنب مع القوى الديمقراطية في البلاد لإسقاط النظام وبناء دولة العدالة والمساواة, أساسها الديمقراطية التعددية المدنية تؤمن حقوق الكورد كشعب قائم على أرضه التاريخية.
ولما كانت الثورة فقدت بوصلتها السياسية و عدم انقيادها من قبل قيادة موحدة تقود الثورة نحو مستقبل معلوم وفق منهج ومشروع متفق عليه من قبل كل المكونات من الشعب السوري, كان من الأولى بالكورد أن يتمسك بمواقعه الجغرافية ومناطقه الآمنة الغير مسلحة وخالية من قوات النظام, وتشكيل قوة أمنية للحفاظ على أمن وسلامة المنطقة والقاطنين فيها الكورد ومن معهم من الأقليات العرقية والدينية..بعيداً عن الفوضى الخلاَقة التي يدفع بها النظام لتسود كافة مساحة سوريا لإندلاع حروب أهلية بين الأعراق والطوائف خدمة لبقائه والحفاظ على سلطته. من هنا قررت القيادة الكوردية التي تتمثل بالهيئة الكوردية العليا أن تشرع لتشكيل قوة أمنية من ( أسايش ) أي قوات مسلحة خاصة لحفظ الأمن في المناطق الكوردية ومنع دخول المسلحين أينما كانت إنتماءاتهم التنظيمية والسياسية.. حيث كانت أحداث مدينة سري كانية ( رأس العين ) خير مثال على صواب القرار الكوردي, ودفع المجاميع المسلحة من جبهة النصرة وغرباء الشام نحو خارج المناطق الكوردية التي لا تحتاج الى مسلحين من المعارضة أصلاً لتحريرها من قوات النظام كما تدعون, بل إن تلك المناطق كلها محررة وتدار من قبل إدارات مدنية وأمنية كوردية, حيث ان إسقاط النظام يتم في دمشق, وليس في مناطق بعيدة عن قوات النظام التي تدافع عن النظام وبقائه. والأهم من ذلك, أن تلك المجاميع المسلحة لا تمتلك الشرعية للسيطرة على كل البلاد وإقامة إدارات ومحاكم عرفية , وخصوصاً المناطق الكوردستانية التي لا تعترف بأي قوة إلا القوات الكوردية التي تشكلت من بين شعبها, وهي الأولى بحماية نفسها من الغرباء ومجهولي الهوية الذين يدَعون الجهاد من أجل اسقاط النظام, حيث أن النظام ساقط أصلاً في المناطق الكوردستانية.. أما التوجه نحو المجهول, فالكورد بمنأى عنها.. ولتتضح الأمورد فيما بعد لنعرف ما ذا يكمن ما وراء الآفاق وسط تلك المآسي التي يتعرض عليها الشعب السوري أمام عجز دولي متعمد.
أحمــــــــد قاســــــــــم
الكاتب والسياسي الكوردي السوري 25\2\2013