أحمـــد قاســـــم :
كما نعلم أن أوجاع الشعب السوري باتت تزعج الدول الإقليمية المتاخمة لسوريا وتخلق نوعاً من أزمة دولية في علاقاتها الدبلوماسية , ما يجعل من ان يتمحور المجتمع الدولي حول دائرتين تعاكس إحداهما الآخر وفقاً للمصالح والرؤى الإستراتيجية على المدى المتوسط والمنظور.
روسيا هي قطب لإستقطاب العديد من الدول في اتجاه الدفاع عن النظام السوري واتهام المعارضة المسلحة بأنها مرتزقة تحارب النظام بالوكالة عن أوروبا وأمريكا لتنفيذ مخطط امريكي ـ اوروبي مشترك على حساب الشعب السوري ونظامه الوطني حسب روسيا وعلى لسان وزير خارجيتها ـ لافروف ـ وذلك في مؤتمر صحفي مع نظيره الفرنسي, ليوضح بأن روسيا متمسكة بموقفها أكثر التزاماً اليوم للحفاظ على بقاء النظام في دمشق والأسد على رأسه, وأنه ينتظر التغيير في الموقف الأوروبي من المعارضة لوضع خطة تكفل وقف العنف والبدء بالحوار بين النظام والمعارضة الغير مسلحة, يشير في ذلك, وحسب زعم الوزير الروسي, أن هناك عصابات مسلحة ارهابية تهدد حياة الناس ومن حق الحكومة السورية محاربتها والقضاء عليها بكافة الوسائل, حيث يؤكد في ذلك على أن روسيا لا تعترف بالثورة السورية كماهي, وأن ما يجري في سوريا حرباً أهلية ومن حق الحكومة محاسبة المسلحين والقضاء عليه. وفي ذلك يدعو الوزير الروسي الدول الأوروبية تغيير موقفها والكف عن دعم المعارضة, وإلا ستكبر الأزمة وستتصاعد الوزمة في آلامها لتمتد الى ما وراء الحدود السوري الى الدول الجوار , وبالتالي تشكل خطراً على أمن وسلامة المنطقة. وبهذا الشكل تغلق روسيا ابواب الحل الذي يؤدي الى رحيل النظام ورأسه.
أما في الإتجاه الآخر, تتحرك الدول الأوروبية حول المحور الذي تمثله فرنسا وبالتفاهم مع امريكا للضغط على نظام الاسد من خلال عقوبات اقتصادية وعسكرية تحاصرو تشد الخناق على نظام دمشق لقبول الرحيل سلمياً وتسليم السلطة الى الشعب وثورته. حيث حاول هذا المحور جاهداً لدفع مجلس الأمن بإتجاه اتخاذ قرار اممي يجبر النظام السوري على التنحي, إلا أن كل محاولاته بائت بالفشل جراء تصادمها بالفيتو الروسي والصيني. وبالتالي يقف هذا المحور حائراً بين أن يقدم بمبادرة عسكرية خارج مجلس الأمن لإنهاء هذا النظام, وهذا ما تؤشر الوقائع بأنها بعيدة المنال, أو إستصدار قرار أممي يلزم النظام على الرحيل بكل السبل بما فيه العمل العسكري, وهذا مستحيل لعدم قبول روسيا والصين. وبالتالي فإن المجتمع الدولي بمحوريه يواجهان الحل المستحيل, ويترك أبواب الإحتمالات مفتوحة على مصراعيه. حيث الحرب الطاحنة بين قوات النظام والمعارضة المسلحة المتمثلة بالجيش السوري الحر مستمرة في ذروتها, وستستمر في زمن مفتوح ما دام الطريق الى الحل شبه مستحيل, إن لم نقل مستحيلاً بالأساس. من هنا تتفاعل وتتضخم الوزمة لتلقي بأوجاعها المتصاعدة اقليمياً ودولياً.
أما جهة المعارضة, فهي الآخر في وضع لايحسد عليه. حيث أنها متشتتة فيما بينها ومختلفة في رؤاها حول مستقبل سوريا. وكذلك الأقليات المذهبية والدينية والعرقية متخوفة في حقيقة الأمر على مستقبلها, في الوقت الذي تفتقر المعارضة الى ممثلية موحدة تعمل وفق مشروع وطني واضح تطمن تلك الأقليات على مستقبلها في سوريا الغد, سوريا لكل السوريين في ظل حكومة تقوم وفقاً لدستور جديد يثبت فيه حقوق كافة المكونات من الشعب السوري وخاصة المكون الكوردي الذي عانى الأمرَين على يد حكومات شوفينية وعنصرية انتهجت سياسة التطهير العرقي تجاه الكورد على مدى خمسون عاماً في محاولة ذوبان الكورد في بوتقة القومية العربية. وأن مشروع محمد طلب هلال وما طبق من هذا المشروع شاهد حي على مرحلة حكومات قوموية عنصرية لاتعترف إلا بنفسها وتهمش الآخر لأتفه الأسباب لممارسة القمع والإستبداد تجاه المواطنين من كافة المكونات, وتجعل من سوريا رهينة لنفسها ومزرعة لعصاباتها التي أباحت كل شيء عدا عن الحرية والكرامة والإعتراف بالآخر.
وسط هذا المشهد المأساوي الذي يغطي على سوريا وثورتها, يقدم الشعب السوري اعز ابنائها قربانا لأهداف الثورة من اجل تحرير سوريا من نظام عصاباتي بغيض. وهو متمسك أكثر فأكثربالأهداف التي قامت من أجلها الثورة, إلا أن المخاوف لا تفارقه من جهة محاولة الأغلبية السنية وخصوصاً السلفية والأصولية وحزب الإخوان المسلمين السيطرة على الثورة ومقدراتها وبالتالي خطفها نحو جهة تهميش الآخر من المكونات لتكون وصية على الكل كما تعامل البعث في مراحل حكمه. مما يتطلب من المكونات الأخرى تشكيل جبهة ضاغطة على تلك القوى السنية المذهبية وإنقاذ الثورة من بين مخالب تلك القوى التي تتنافى مع منطق العصر وأسس النظام الديمقراطي التعددي الذي ينتظره غالبية الشعب السوري.
أحمـــــــد قاســــــــــم
الكاتب والسياسي الكوردي السوري 1\11\2012
تم النشر في 23,33 01|11|2012