عائدون بحلة جديدة

موقع قيد الانشاء

سليمان حسن : ذكريات شيركو


سليمان حسن : 

كان يشعر بوحدة قاتلة تقطع جميع شرايين الحياة داخله , وعلى الرغم من المحاولات العديدة التي بذلها والديه كي يعيدوا البسمة الى شفتيه, الا ان جميع تلك المحاولات باءت بالفشل و لذلك قرر الوالدين زيادة جرعة الاهتمام و الحنان لعلها تجد نفعا هذه المرة ,الا ان محاولاتهما جميعا كانت تصطدم بجدار الغربة 

التي كانت تفصل بينهما وبين شيركو , الطفل الذي فر مع والديه قبل ثلاث سنوات من مدينته جراء قصف تعرض لها مدينتهم التي كانت حالها كحال العديد من المدن الثائرة ضد النظام الاسدي . كان شيركو آنذاك يبلغ من العمر العشر سنين , كانت ليلة مجهدة و مرعبة له حين اضطر الى المبيت في البراري دون غطاء و تلك الظلمة الحالكة المخيمة على المكان المترافق مع نسمات هواء باردة , كانت مثل الابرة تخترق جسده الصغير
الا ان فظاعة المشهد و عظمته قد انسته برد الليل

فالسماء كانت مضيئة بشتى الاطياف و المدينة مغطية بكل الالوان المضيئة كانت خطوط اشعتها تلامس السماء ومازال حتى اللحظة متذكرا ابتسامته الجامدة في تلك الليلة 
لقد كان معتقدا ان والديه قد  احضراه الى هذا المكان كي يستمتع بمشاهدة الالعاب النارية ويشاهد كذلك من بعيد مظاهر الاحتفالات في المدينة بليلة راس السنة  وكم كان متمنيا ان يكون اصدقاءه بجانبه يشاهدون معه هذه اللحظات التي لن تنسى و التي ستحفر في قلوبهم و انفسهم الى الابد.

 هذا ما ادركه شيركو ولكن بعد فوات الاوان , ادرك ذلك منذ ان وطأة قدماه الصغيرتان مدخل احدى المخيمات التي لجأ اليها مع والديه ادرك ان تلك لم تكن الاستعدادات المعتادة لرأس السنة كما كل عام و ايقن ان ذلك الضوء المنبثق من المدينة و التي كانت تشعره بقشعريرة مريبة تحرك كافة العواطف المسجونة داخل جسده الصغير ,

 انما هي اجساد اصدقاءه و الاطفال الاخرين المحترقين في تلك النار الهائجة دونما رحمة
كانت الدموع تملئ مقلتيه الصغيرتان وتنتفض عينيه كسيل جارف تجرف معها جميع الاحقاد و الالام كل ليلة حين كان يحاول ان يخلد الى النوم دون ان يتذكر الماضي الموجع ولكن الظروف القاسية في المخيم  وشح المساعدات والمعاملة السيئة التي يتلقاها من بعض العاملين في المخيم تعيدانه الى ماضيه الموجع وهو الامر الذي جعله يرفض العيش في الواقع المفروض ولا تساعد في تحسين حالته , مع كل هذه المصاعب الا انه بات يتفهم الامر واصبح يساعد والديه في الحصول على الغذاء و الماء
شيركو يقف كل يوم ساعات طويلة في طوابير حاشدة من الناس المصطفة للحصول على بعض الماء من الخزان
وكذلك في الطوابير الطويلة للحصول على رغيف خبز دون ان يتواصل مع من حوله من الاطفال الاخرين او من الكبار
ولكن الجميع اصبح متفهما لحالة شيركو في عدم مقدرته على النطق او حتى مجرد ابتسامة عابرة, حاله كحال العديد من الاطفال المؤثرين بالحرب في بلادهم

ولكن الجميع يهزون اكتافهم ورؤوسهم كلما رأوا شيركو في اشارة الى عدم مقدرتهم على تقديم اي عون او اي مساعدة 
لان الجميع بحاجة الى عون و الى من ينقذهم من ما هم فيه
و الجميع يترقب اخبار الوطن المدمر ويتساءلون 
كم شيركو اخر يتوجب ان يتحولوا الى حالته عدا اللذين قتلوا كي تضع هذه الحرب اوزارها ويعودوا الى ديارهم.

selemanhasan@hotmail.com
فيس بوك
http://www.facebook.com/suliman.hasan.16





جميع الحقوق محفوظة @ 2015 صـــوت الكـــــورد sawtalkurd .

التصميم من قبل Sawtalkurd | ألوان