خالد أحمد :
اقتربت الثورة السورية من إنهاء عامها الثاني وما يزال الصراع دائرا في سوريا ولم يتوقف آلة القتل والقمع والدمار والتهجير بل يزداد الأمر سوء, فمعارك الكر والفر بين الجيشين النظامي والحر مستمرا دون الوصول الى أية صيغة للحل أو الحوار من أجل وقف نزيف الدم السوري , فلا أطروحات النظام ووعود الإصلاح لاقى تأييد, ولامبادرات المعارضة
المخجلة للحوار لاقت التأييد ولم تطرح مشاريع بديلة حقيقية للإدارة ترضي الأطراف المتنازعة لتكون نقطة التقاء لدمقرطة سوريا بغية إخراجها من دوامة العنف.فحزب البعث العربي الإشتراكي الذي يحكم سوريا منذ ستينيات القرن العشرين ابتكر نموذجا للحكم في سوريا وحكم بها البلاد قرابة أربعين عاما وقد أحتذى بها أغلب الأنظمة الديكتاتورية في الشرق الأوسط " النمط الجملكي" فأخدع الشعب السوري طيلة هذه الفترة بالشعارات الفضفاضة والتهديد الخارجي وقضايا التوازن الإستراتيجي مع " العدو الصهيوني".
المعارضة السورية لم تحضر نفسها إيديولوجيا لإسقاط النظام وتوجهت بشكل مفاجئ الى حمل السلاح والصراع العسكري ظنا بأن السقوط لن تستغرق وقتا فلم تقدم مشاريع حل جدية وعقلانية ترضي الأطراف المختلفة في سوريا وتصون حقوق الشعب السوري بمختلف مكوناته العرقية والإثنية لا وبل لم تحضر حتى نفسيا للسقوط واقتصرت الأمر على الشعارات فقط.
إن شكل الحكم في سوريا المستقبل في غاية الأهمية لمنطقة الشرق الأوسط وللنظام العالمي فشكل الحكم ستؤثر في العديد من دول الشرق الأوسط بشكل مباشر , فإتخاذ حزب البعث شكل النظام الإستبدادي " الجملكي" في القرن العشرين أثر على مصر وليبيا والعراق بطريقة الإحتذاء المباشر أما الآن ستحدد نوع أنظمة عديدة, وستؤثر شكل الحكم في دمشق على العديد من الدول والمحاورلا سيما الموقف من الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني, الوضع الأردني ,مصر ,لبنان , العراق, إيران, كما ستؤثر على تركيا أيضا وستكون لها تداعياتها على الصراع الإيراني - التركي وخاصة أنهما تشكلان قوتين إقليميتين ولكل منهما حساباتها الخاصة في الملف السوري هذا بالإضافة الى إسرائيل ومصر كمركزين هامين للقوة في المنطقة وستمتد تأثيرها على منطقة الخليج " دول الخليج العربي" لذلك حالت الملف السوري الى الإستعصاء السياسي والعسكري.
أدركت أغلب القوى الوطنية الكردية وكذلك هيئة التنسيق الوطنية هذا الموقف منذ بداية الأحداث لذلك رفضت التدخل العسكري الخارجي ثم تدارك الإئتلاف الوطني السوري بقيادة معاذ الخطيب هذا الموقف فطرح مبادرة للحوار مع النظام لإخراج البلاد من حالة الدمار التي تمر بها لكن دون جدوى, فبين موقف المعارضة الصارمة والمتصلبة وموقف النظام المتوحش والعنجهي يطرح المجلس الشعبي لغرب كردستان مشروع الإدارة الذاتية الديمقراطية " المبتكر كرديا " لإدارة سوريا المستقبل وهو مشروع حل شامل ومتكامل يضمن تكامل جميع الفعاليات والمكونات داخل سوريا, وهي تختلف عن المشاريع والحلول التي تهدف الى تقاسم سلطات الدولة وتبحث عن حل للقضية خارج إطار الدولة وتهتم بإيجاد الحلول المناسبة للقضايا الإجتماعية أكثر من أمور السلطة كما أنها لاتهدف الى هدم أو بناء الدولة المركزية ذات الطابع القوموي والسلطوي ويهدف الى تنظيم المجتمع من الأسفل الى الأعلى على أساس الإدارات المحلية الديمقراطية وفق المبادىء الديمقراطية التي تهيء الأجواء لتفعيل الأخوة بين مكونات الشعب السوري, ويتخذ من شعار الأمة الديمقراطية والوطن والدستور السوري الديمقراطي أساسا له بدلا من الشعارات القوموية , وبها ستتحول سوريا الى دولة رائدة في الحضارة الديمقراطية في الشرق الأوسط .
إن ما يثبت نجاح هذه التجربة الديمقراطية هو مايدور في المناطق الشمالية " الكردية" من سوريا فبعد انسحاب قوات النظام السوري عنوة من هذه المناطق سرعان ما شكل الهيئة الكردية العليا المجالس والمؤسسات والهيئات المشتركة من مختلف مكونات هذه المناطق لإدارة مدنهم وبلداتهم وقراهم وأحيائم بعيدا عن القالب القوموي المتعصب وسيكون الحل الأمثل لإنقاذ الوطن السوري من المشاريع العنصرية ولتكون هذه الإدارة نموذجا لإدارة كل الأراضي السورية .
خالد أحمد _ باحث سياسي