عائدون بحلة جديدة

موقع قيد الانشاء

قصة جواز السفر المزور لرئيس الجمهورية


لا شيء عندي أخفيه أو أخشاه... هذه هي الرسالة الفعليّة التي أراد ميشال سليمان توجيهها إلى الجميع، في سياق ردّه على كلام سليمان فرنجية عن ملفّ موجع لرئيس الجمهورية في فرنسا. رسالة تستحق المتابعة، لجلاء الحقيقة الكاملة: ماذا قصد نائب زغرتا بالملف؟ وما هي الحقيقة الكاملة حياله، والتي يتسلّح بها رئيس الجمهورية؟ محاولة للإجابة عن هذه القضية، بالوقائع المنشورة في الصحافة الفرنسية.

من المعيب فعلاً في بلد ديموقراطي، أن تكون حقيقة ما من المحرمات. ومن المشين لدولة يتبارى ويتباهى سياسيّوها ومسؤولوها بالشفافية والخضوع للمساءلة والمحاسبة، أن تظل واقعة معينة، أكانت صحيحة أم لا، موضع تناول في الإعلام الأجنبي خمسة أعوام، ولا تطرح صراحة في إعلام الدولة المعنية بها.

مناسبة هذا الكلام هو بالتحديد ما أشار إليه النائب سليمان فرنجية مراراً، وما كرره في مقابلة تلفزيونية يوم الثلاثاء الماضي، عن وجود ما سماه «ملف فرنسي لرئيس الجمهورية». وهو ما رد عليه ميشال سليمان في اليوم التالي نافياً، وطالباً من القضاء المختص تبيان ملابساته. لذلك، وحرصاً على مساعدة القضاء ثانياً، كما على جلاء الحقيقة أولاً، نعرض الوقائع الآتية.
خرجت قصة «الملف الفرنسي» لسليمان إلى العلن تحديداً، في 8 تشرين الثاني 2007. ففي هذا النهار، نشرت مجلة «لو بوان» الفرنسية الصادرة في باريس والموزعة في أنحاء العالم، خبراً ورد على الصفحة 20 من نسختها الورقية، كما على موقعها الإلكتروني (على هذا الرابط http://www.lepoint.fr/actualites/2007-11-08/le-faux-passeport-francais-du-candidat-libanais/1331/0/209036) عنوانه: «جواز السفر الفرنسي المزوّر للمرشح اللبناني». وجاء في الخبر المذكور ما حرفيته الآتي: «المرشح للانتخابات الرئاسية وقائد الجيش اللبناني، العماد ميشال سليمان، متورط في قضية جوازات سفر مزورة، ولا يمكنه زيارة فرنسا. فسنة 2004، وهو قائد للجيش، تلقى جواز سفر الألوان الثلاثة (نسبة إلى فرنسا) يذكر أنه مولود في بونتواز (مدينة فرنسية) هذا التزوير معزو إلى مدير مكتبه في حينه، الذي كان على اتصال مع امرأة فرنسية قدمت نفسها تعسفاً على أنها نسيبة فيليب دو فيلييه (سياسي فرنسي) وادعت أنها تعمل لدى مكتب وزير الداخلية. الشرطتان الفرنسية واللبنانية المعتادتان على التنسيق في ما بينهما، وقعتا على سكة الأوراق المزورة تلك، وتمت إحالة الملف أمام محكمة بونتواز. سلم العماد ميشال سليمان فوراً إلى السلطات الفرنسية جوازات السفر التي كان قد تلقاها، كذلك فعل بعض أفراد أسرته. لكن الملف لا يزال أمام القضاء».
بعد أيام قليلة، وتحديداً في 30 تشرين الثاني 2007 أيضاً، عاد الصحافي الفرنسي جورج مالبرونو إلى تناول الموضوع نفسه، في «لو فيغارو». ففي مقال طويل تحت عنوان «لبنان» قائد الجيش مرجح للرئاسة» (رابط المقال http://www.lefigaro.fr/international/2007/12/01/01003-20071201ARTFIG00116-liban-le-chef-de-larmee-favori-pour-la-presidence.php) ختم الصحافي الفرنسي المتخصص في الشؤون اللبنانية والمطلع على كواليس أجهزة المخابرات الفرنسية، بالقول حرفياً: «النغمة الشاذة الوحيدة في مسار ميشال سليمان: حيازته زوراً جواز سفر فرنسياً، سنة 2004، حين بدأ الوجود السوري في لبنان يتحول، غير مؤكد. وهو فسر الأمر بشكل خاطئ، قبل أن يرد وثيقة السفر للدبلوماسيين الفرنسيين في بيروت. ««أعداؤه قد يستخدمون ذلك للقول إنه كان يبحث حينها عند باب للخروج من لبنان»، يذكر عسكري سابق»، ختم مالبرونو مقاله في «لو فيغارو».

بعد هذين الخبرين الصادرين في كبريات الدوريات الفرنسية، عمدت مئات المواقع الإلكترونية على شبكة الإنترنت إلى تناول الموضوع ونشره والتعليق عليه. وتفردت بعض المواقع القريبة من فريق 14 آذار خارج لبنان بتسليط الأضواء عليه، مصحوباً بحملات شعواء من التجني والتحامل والتطاول على قائد الجيش في حينه، والمرشح يومها لرئاسة الجمهورية.
حتى إن موقعاً روسياً متخصصاً في تقصّي السير الذاتيّة للمشاهير في مختلف المجالات وعلى كل الأصعدة، كتب ضمن بحثه عن ميشال سليمان (رابط البحث http://persona.rin.ru/eng/view/f/0/37075/michel-suleiman-nuhad) مزاعم إضافية حول القضية نفسها، لم يسندها إلى أي مصدر أو يثبتها بموجب أي دليل، مدعياً ما حرفيته أنه: «سنة 2004، حاول سليمان مع عائلته اجتياز الحدود الفرنسية بجواز سفر مزور، فيه أنه مولود في ضاحية باريس، بونتواز. الجوازات كانت من صنع مساعده، الذي تولى لاحقاً رئاسة أجهزة الأمن اللبنانية. السلطات الفرنسية منعته من دخول فرنسا. قال سليمان لاحقاً إنه لم يكن يريد هجرة البلاد».
هذه المزاعم والادعاءات هي نزر يسير مما نشرته صحافة الغرب عن قضية جواز السفر الفرنسي المزور لميشال سليمان. ما يطرح السؤال: هل يعقل ألا تكون السلطات اللبنانية المعنية على علم بهذا الأمر؟ وإذا كانت قد اطلعت عليه في حينه، أو حتى عند حصول الواقعة التي تتحدث عنها صحافة «الرجل الأبيض» المحصنة عندنا، فهل يعقل ألا تكون تلك السلطات قد لجأت إلى إجراء المقتضى، من تحقيقات وتحريات وكشف ملابسات، تمهيداً للرد على المزاعم والادعاءات؟ إنها الفرصة أمام القضاء لكشف كل الحقيقة، على طريقة ربّ ضارة نافعة، فكيف إذا لم تكن ضارّة أصلاً!

بعض التدقيق في هذه الرواية يُظهر أن لها جذوراً في بيروت منذ عام 2005. حينذاك، كان السفير الفرنسي برنارد ايميه ناشطاً في الملفات اللبنانية الداخلية. وبعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، عبّر إيميه عن رغبته في تسوية أوضاع شخصيات يعتقد أن لها دوراً في المرحلة القائمة والمرحلة اللاحقة.
وحين بادر مسؤولون في فريق 14 اذار الى سؤال الرجل عن قصده، سارع الى عرض رواية، تشير الى انه تلقى عبر البريد الدبلوماسي الخاص بالسفارة برقية مصدرها جهات امنية فرنسية، تطالب بالتدقيق في حقيقة تسلم قائد الجيش في حينه العماد ميشال سليمان، ومدير مكتبه العقيد وفيق جزيني، والعميد في الجيش رضا الموسوي، جوازات سفر فرنسية مزورة. وتبين حينذاك أن التزوير جرى بواسطة سيدة فرنسية، أوقفت في فرنسا، حيث أقرت بأنها تلقت خدمات في لبنان مقابل تأمين الجوازات.
وسارع إيميه حينذاك إلى الاتصال بالجهات اللبنانية الرسمية، عارضاً نسخاً عن وثائق فرنسية تثبت أن الثلاثة (سليمان، جزيني والموسوي) حصلوا على جوازات سفر مزورة لهم ولأفراد عائلاتهم. وطلب العمل على تسوية الأمر سريعاً، فلم يرد ذكر الملف في السجلات الرسمية اللبنانية.
وفي وقت لاحق، جرى إطلاع الرئيس اميل لحود ومسؤولين آخرين في الدولة، وحتى مسؤولين سوريين، على القصة الكاملة. وجرى التثبت من الوقائع من خلال سليمان نفسه. السلطات الفرنسية واصلت ملاحقة «المشتبه فيهم»، ناصحة بعدم سفر سليمان الى باريس، لأن الشرطة ستوقفه في المطار، وأنه لا حصانة له.
وبعد سلسلة اتصالات ومشاورات، جرت تسوية الملف على قاعدة أن التزوير حصل من دون علم قائد الجيش، وأن «الدليل على عدم وجود جرم متعمد» هو أن سليمان وجزيني والموسوي لم يستخدموا هذه الوثائق يوماً. وجرى التوافق على تسليم هذه الوثائق للسلطات الفرنسية، على أن يُجمَّد الملف القانوني ويُحفظ في دوائر الشرطة الفرنسية.
لكنّ رجال الاستخبارات الفرنسيين الذين لم يرقهم الامر، عمدوا الى تسريب المعلومات الى «لو بوان» و«لوفيغارو» وحتى الى وسائل اعلام لبنانية امتنعت عن النشر. وبقي الوضع القانوني للضباط الثلاثة عالقاً في فرنسا، إلى أن جرت تسويته بعد عام 2007، بقرار رئاسي فرنسي، عندما ارتفعت أسهم سليمان لرئاسة الجمهورية.

بشهادة «ويكيليكس» 

بين الوثائق التي حصل عليها موقع ويكيليكس من الأرشيف السري لوزارة الخارجية الأميركية، تبرز برقية صادرة عن السفارة الأميركية في بيروت يوم 6 آب 2007. هذه البرقية توثّق محضر اجتماع عُقِد يوم 4 آب 2007 بين السفير الأميركي في بيروت جيفري فيلتمان ونظيره الفرنسي برنارد إيميه. وخلال استعراض الأخير لأسماء المرشحين المفترضين لرئاسة الجمهورية، يقول عن قائد الجيش (حينذاك) ميشال سليمان الآتي: «هناك خطر أن يتحول سليمان إلى إميل لحود آخر». ثم تضيف الوثيقة: «فضلاً عن ذلك، سليمان لديه مشكلات قانونية في فرنسا، بسبب حصوله على جوازات سفر فرنسية (ألغيت في وقت لاحق) له ولعائلته، بواسطة وثائق مزورة». ثم تنقل الوثيقة عن إيميه قوله: «حتى لو مَنحت سليمان تأشيرة دخول لزيارة فرنسا، لا أستطيع ضمان عدم توقيفه عند وصوله».

الوثيقة متوفرة على الرابط الآتي:

http://wikileaks.org/cable/2007/08/07BEIRUT1175.html






جميع الحقوق محفوظة @ 2015 صـــوت الكـــــورد sawtalkurd .

التصميم من قبل Sawtalkurd | ألوان