د . محمد محمود :
الثورة السورية بدأت بفعل شعبي اصيل ، انبثق من قمقم اليأس و التعطيل الطويل لنظام الاسدي الاستبدادي و القمع و التوريث ، الا ان الصراع حولها قائم لا يمكن انكاره او التهوين من تأثيره ، و الضالعون في مشهد الافشال او الاحتواء تختلف مصالحهم و ارتباطاتهم و يجمع بين كل اولئك انهم يعملون لمصالحهم في خضم مراحل انتقالية لا يجب ان تفلت من ايديهم او تفاجئهم بما لم يكونوا في حساباتهم و لم يكونوا مستعدين له .
و كل حديث عن الثورة السورية في صمودها و تحديها و تضحياتها و بذلها يتواضع امام اسطورية هذه الثورة و كل وسائل مواجهتها لتخجل كلمة (( عنف )) عن وصفها ، و لم تزدها تلك الاساليب المتجاوزة في بشاعتها سوى اصرار و صمود و صبر و معاودة .
مشاهد مروعة لتدمير متواصل على كافة المدن السورية المحاصرة ، تبين حالة مراوغة دولية امام تدمير و القتل ينشر الرعب و الخوف و الخراب و الدمار و القتل في كل احياء المدن الصامدة امام آلة القمع و البطش الاسدي ، نفاق دولي كبير ، و تقاسم ادوار خطيرة ، و هذه الدول الكبرى يتلذذون بتدمير المدن السورية و قتل ابنا ء شعبنا و يتفرجون على مشاهد ممارسات نظام بشع يمارس عملية ابادة بدم بارد ، و عجز عربي و اقليمي فاضح ، امام كل هذا الصمود الاسطوري ملحمي قل نظيره .
و يعتمد النظام السوري الاسدي الاستبدادي او بالمعنى الاصح الحاكم العسكري على سوريا من قبل المحتليين الروس و الايران و اعلامه و احلافه على تصوير الثورة الشعبية باعتبارها مؤامرة تستهدف دولة الممانعة و المقاومة و الموقع الجيوسياسي ................ و يتخذ هذا المنحى لمواجهة ثورة شعب عبر اغراقها بالدم و الهدم و التدمير و التشريد ، و يدعمه في هذا المجهود لافراغ الثورة من محتواها الحقوقي و الانساني و الاجتماعي حلف دولي و اقليمي بعضه ظاهر و آخر خفي و تسانده شبيحة الاقلام المسمومة و الاعلام الرخيص الكاذب و بعض التيارات التي تمسحت طويلا برداء القومية و الاسلامية و اليسار العربي المنحسر و المتهاوى .
على مدى اربعين سنة من المقاومة و الصمود الكاذبين ، لم يحقق دولة المخابرات و ازلام النظام الاسدي اي انتصار يذكر ، سوى الخيانة و التآمر على الوطن و تسليم الجولان لاسرائيل من خلال اتفاق سري في عام 1976 باسم اتفاقية الخطوط الحمراء و تنصيب انفسهم حرسا لحدوده .
و في المقابل يبدو ان الثورة السورية دخلت في غياهب نفق مظلم ، فالثورة مستمرة و القتل يستمر و يتزايد ، النظام الاسدي لا يوفر اي سلاح الا و يقصف و يقمع به المتظاهرين السلميين منذ البداية ، مستهدفا بذلك حتى المدنيين العزل المتواجديين داخل بيوتهم بفعل دباباته و مدافعه و قصف بطائراته التي سكنت عقودا عديدة في جبهة الجولان ، و ها نحن نسمع أزيز الرصاص و اصوات انفجارات اسلحته في اغلب المدن السورية المحاصرة من قبل جيش النظام القمع و فرق الموت و كتائب الشبيحة المرتزقة التابعة له ، ان المتابع للشأن السوري يحتار حقا في ماهية حل هذه الازمة الانسانية ، فلا توقف النظام عن القتل ، و لا اعتراف اصلا بوجود مشكلة بالاساس بل يصر على روايته الرعناء و الخرقاء ، بانه يحارب مسلحين قدموا من دول الجوار ، تدعمهم دول عربية و اجنبية ، للنيل من مواقف سوريا الوطنية تجاه القضايا العربية و القومية ؟؟. و هذه الشعارات متهالكة بفعل الزمن و حقيقة النظام الاسدي الذي باع الجولان و من ثم لواء الاسكندرون و صمت عن الكثير من الانتهاكات التي قامت بها اسرائيل في عقر داره ، النظام المخابراتي الذي لعب و يلعب بكل اوراقه الاقليمية محاولا تشتيت الانظار عن ما يجري في سوريا ، بمعية انصاره في لبنان و العراق و ايران و غيرها من الدول الداعمة لطغيانه و خاصة روسيا و الصين .
و يواصل نظام بشار و عصاباته و ميليشياته و شبيحته ، ارتكاب المجازر و الجرائم المروعة بحق الشعب السوري الاعزل و قتل الاطفال و ذبحهم بدم بارد ، وسط صمت عربي و اقليمي و غربي دولي ، و دفاع روسي ايراني و يستمر الحصار و تستمر المعاناة و فقدان كافة المواد الاغذية و الادوية و مواد الدفئة و الكهرباء مع القتل المستمر ، و كأن دماء الشعب السوري رخيصة الى هذا الحد ، و لو ان اسرائيل قتل شخصا لقامت الدنيا و لم تقعد للمتاجرة بالقضية الفلسطينية ، و لكن على ما يبدو فان كل هذا ياتي ليخدم توجه المجتمع الدولي نحو بلورة حل سياسي لتلك الازمة ، يقوم على اساس الالتفاف على اهداف هذه الثورة ، و اضاعة دماء الشهداء ، لتحقيق مصالح خاصة بالمجتمع الدولي بغض النظر عما يريده الشعب السوري بجميع مكوناته القومية و الدينية و يسعى لتحقيقه ، باذلا في ذلك الدماء الذكية و الارواح الطاهرة .
و في الجانب الاخر تسعى روسيا الى الاحتفاظ بمصالحها في سوريا ، تلك المصالح التي جعلتها تقف بقوة في وجه المجتمع الدولي من خلال استخدام حق النقض ( الفيتو ) لصالح النظام الاسدي و اباح الدم السوري في العلن ، و مصالح روسيا البوتينية في سوريا كثيرة منها عقود الاسلحة التي يستوردها النظام الاستبدادي بمليارات الدولارات و كذلك الصادرات الروسية الى سوريا و حجم الاستثمار الروسي في الاراضي السورية ، بالاضافة الى قاعدة ميناء طرطوس السوري التي هي قاعدة التموين البحرية الوحيدة للاسطول الروسي في البحر المتوسط و كل هذه المصالح ستكون مهددة بالطبع فور سقوط نظام الاسد .
و بالمقابل فان دول الغرب تريد استقرار المنطقة و لا يهمها ديمقراطية و حريات و غير مهتمة اصلا بارواح السوريين ، المهم عندهم مصالحهم في الشرق الاوسط من خلال استقرار المنطقة و الحفاظ على حدود اسرائيل هادئة و من هذا المنطلق منحو النظام الاسدي المهلة تلو المهلة كي يقضي على ثورة الشعب و غضو الطرف عن جرائمه الواضحة الجلية املا بعودة الامر الى ما كان عليه و بقاء حكم الاسد حامي حدود اسرائيل .
فلا يوجد بديل لنظام الاسد يستطيع حماية هذه الحدود و المعارضة لا تستطيع اعطاء وعد صريح بحماية حدود اسرائيل فتكون في خانة الخونة امام نظام يدعي المقاومة لذلك فان الغرب تتحجج دائما بعدم توحيد المعارضة و اباحوا اراقة الدم السوري ووجود بان يكون الحل بزيادة القتل و القصف و التدمير و التفجير و غض النظر عن افعال النظام حتى لا يكون هناك خيار للشعب الا بقبول شروط مجلس الامن او الناتو . و قد يكون السيناريو من خلال الاطاحة بالاسد و طبعا مع ضمانة بحماية حدود اسرائيل و من ثم العمل على وضع حكومة ترضى عنها الغرب مع بعض الهامش من الحريات ، لان المجتمع الدولي بات يدرك جيدا ان رحيل بشار الاسد سيكون آجلا ام عاجلا ،و لذلك يسعى الى اجهاض الثورة السورية و الالتفاف على اهدافها من خلال بلورة حل سياسي يقضي بابعاد بشار الاسد مقابل الحفاظ على اركان و اسس نظامه كما حدث في اليمن ، و كما حدث في مصر من خلال تولي المجلس العسكري للحكم بعد خلع مبارك و ذلك ضمانا للمصالح الدولية في سوريا و لكي تبقى سوريا دائما اسيرة للقرار الغربي و الروسي _ الايراني و ضمانا لآمن الاسرائيلي و لهذا فان المجتمع الدولي يؤخر حسم الازمة في سوريا ، حتى تستوي المؤامرة و يتم الاتفاق بين جميع الاطراف على توزيع الكعكة .
لذلك فان الحديث عن المستقبل في سوريا بما تحمله من آفاق تبدو غامضة و معرض لتقاطع الافكار و الاحتمالات التي تعبر عن حجم التغيير الذي قد يحصل في المشهد السوري في السنوات المقبلة . لكن الشيء المؤكد الذي لا جدال فيه بين الجميع ان ما هو آت لن يشبه بأي من الاحوال ما قد مضى خلال العقود الماضية من الاستبداد ، فبعد انهيار بيت قديم لاعادة ترميمه ستتعدد المقترحات و الآراء في طبيعة الشكل الجديد و يعود كل طرف الى الاصول المتخيلة الذي ينتمي اليها و يضيع الصوت الديمقراطي الجامع الذي لا قيمة له بين هذه العواصف العاتية التي تبحث عن استغلال الفرصة لفرض ارادتها و هنا مكمن المخاوف من المجهول .
هذه الحقائق السلبية للوضع الداخلي وجدت صداها خارجيا في البعدين الاقليمي و الدولي لذا فان القوى المتنافسة تحاول ان تشرف بنفسها على عملية تصميم سوريا الجديدة وفق المقاسات التي تريدها و هذا يتناقض حتما مع النفسية الداخلية القيمية . و ما يحدث اليوم في سوريا من تشتت و تمزق اجتماعي و من تضخيم مشاعر الحقد و الكراهية بين ابناء الوطن الواحد بسبب ممارسات النظام الاستبدادي القمعي لا بد ان يترك آثارا قاسية و سلبية على المستقبل ، و من المخيف ان تغيب مشاعر الثقة و الطمأنينة و التآخي لتحل محلها مشاعر الانتقام و الثأر ، و ان تنشر الضغائن تداعياتها في الافق القادم ، ولابد اذن من مواجهة ذلك ان تكون الاولوية هذه التداعيات بالحكمة و العقل و التسامح .
و السؤال الذي يطرح نفسه متى كانت هناك ميليشيات و تيارات اسلامية متطرفة في سوريا لان اغلب هذه المنظمات و التيارات و الميليشيات كانت من صنيع الانظمة الاستبدادية الشمولية لاستخدامهم في مواجهة التيارات الديمقراطية و في السنوات الاخيرة عملت ايران الى تشييع المجتمع السوري و صنعوا تيارات اسلامية متطرفة لمواجهة المشاريع الديمقراطية و الحريات العامة و كانت النظام الاسدي مجرد دمى في المشروع الهلال الشيعي ؟
ممثل الهيئة الكوردية العامة لدعم الثورة السورية