الكاتب.. هوشنك أوسي .
النظم الاستبداديّة الفاسدة، لا ترى في الديمقراطيّة الحقيقيّة، إلا مقبرة لها. ومهما زعمت الإصلاح والتغيير، بخاصّة، في حالات الاهتزاز والأزمّة العميقة ، لا يغدو كلامها إلاّ من صنف الدجل والكذب والتحايل. فقصّة النظام السوري، وزعمه للإصلاح والتغيير، منذ أكثر من عقد، وتأجيله للإصلاحات بحجّة الاستهداف الخارجي، والممانعة، والكلام الفارغ هذا، صارت أشبه بقصّة الراعي والذئب. وجليٌّ أنه مهما تطبّع النظام الاستبدادي، إلاّ أن طباعه، دوماً تغلب تطبّعه!. ذلك أنه لن يصلحها من أفسدها، ولن يطهّر السلطة، ويغيّرها للأحسن، من اغتصبها ودنّسها، ولن يرممها، من دمّرها.
قرأت للكاتب والأكاديمي السعودي، خالد الدخيل، مقالاً تحت عنوان: "هل بدأت الثورة تدق أبواب الشام؟" _ ("الحياة" 27 مارس 2011). والمقال، على أهميّته وقوّة التحليل فيه، فأنه ذكّرني بمقالٍ كتبته، ونشرته "الحياة" في 5/10/2007، بعنوان: "الخشية من البديل في ما لو دقَّت الديموقراطية باب دمشق". وذكرت فيه "حتى المتآمرين على سورية، يخشون من أن يكون استبدال النظام الأمني في هذا البلد بآخر ديموقراطي، مدخلاً لخطر أكبر يهدد المصالح الأميركية في المنطقة. وهذا ما أعرب عنه بعض القادة الإسرائيليون، من أنهم ليسوا مع تغيير النظام السوري!". والآن، وبالنظر الى مجريات الانتفاضة الوطنيّة السوريّة على الاستبداد الحاكم، لا يزال ما قلته في المقال السالف، يوافق واقع الحال الجاريّة في سورية، لجهة ان إسرائيل، ترفض بأيّ شكل من الأشكال، تغيير النظام في سورية. ذلك أن الكيان العبري، قد جرّب وخَبِرَ هذا النظام على مدى 48 سنة، وهو ليس مستعدّاً لأن يجرّب نظاماً آخر، قد يستعصي على اسرائيل تطويعه!. فرغم ان اتفاقية الهدنة الدائمة الموقعة بين سورية وإسرائيل في 2/7/1949, وتطويرها إلى اتفاقيّة فصل القوّات بين الطرفين، وتأييد مجلس الأمن لها بقراره رقم 350 الصادر في 31/5/1974, وإنشاء قوّة فصل، تعمل تحت إمرة الأمم المتحدة (UNDOF) وتجديد مهمّة هذه القوات مرّة كل ستة أشهر، ورغم انتهاك إسرائيل لهذه القرارات والاتفاقات، وانتهاك سيادة سوريّة، والاعتداء على جيشها، ومقارّها ومؤسساتها (قصف موقع الكِبر في ديرالزور. وقصف تل منين في دمشق. اغتيال عماد مغنيّة، واغتيال العميد محمد سليمان، المسؤول عن الملف النووي السوري، على زمن حكم بشّار الأسد) إلاّ النظام السوري، كان ولا يزال ملتزماً بهذه الهدنة، أكثر من التزام النظام المصري السابق باتفاقيّة كامب ديفيد!.
ما سلف، يجيز لنا استنتاج؛ إن أكثر من يدافع عن أمن واستقرار النظام السوري الحاكم، هي إسرائيل. وما يعزز هذا الاستنتاج، إن قصف إسرائيل لغزّة، في توقيت اندلاع الانتفاضة السوريّة، ليس من محاسن الصدف!، بل كي تقدّم تل أبيب طوق نجاة، للنظام السوري، على أنه "ممانع" و"مقاوم" ومستهدف من قبل إسرائيل، ويعزز تخرّصات الآلة الإعلاميّة السوريّة وجهابذتها، حول أن "جهات أجنبيّة" و"مدسوسين"، يقفون وراء الأحداث التي شهدتها درعا وباقي المدن السورية!. وبالتالي، ما دام النظام السوري، وآلته الإعلاميّة، دوماً تأتي بفزّاعة إسرائيل واستهدافها لسورية، لماذا لا يجوز قراءة المشهد بشكل معاكس، على أن اسرائيل تقف وراء بقاء النظام السوري طيلة هذه المدّة. بمعنى، لو فعلاً إن إسرائيل تستهدف النظام السوري، وحاولت تغييره، أما كانت قادرة على فعل ذلك، طيلة هذه المدّة؟!. ولعل آلة الإعلام الرسميّة السوريّة، وفي مقدّمها المستشارة الإعلاميّة والسياسيّة للرئيس السوري، بثينة شعبان، بلغ بها الاستجهال والاستخفاف بعقول الناس، واستغبائها لهم، أثناء محاولتها تبرئة ذمّة النظام السوري، وأدواته الامنيّة من المجازر التي ارتكبت في درعا وغيرها من المدن السوريّة، مبلغ الناطق باسم الحكومة الليبيّة، حول جريمة الاغتصاب الجماعي لعناصر كتائب القذّافي، للمواطنة الليبيّة، إيمان العبيدي، وكيف أن المسؤول الليبي، اعتدى على كرامتها وحالتها النفسيّة والعقليّة، بنفس الوحشيّة التي اعتدى بها جلاوزة القذّافي على شرف وعرض هذه الإنسانة!. وبالتالي، حاولت شعبان، وإلى جانبها، بعض مثقفي السلطة، والمفتي العام السوري، أحمد الحسون...!، إظهار عناصر الأمن السوري على أنهم ملائكة وضحايا، وأن المدنيين العزّل، شياطين وقتلة!. ولعلّ، خير تشخيص للحال الإعلاميّة الرسميّة السوريّة، هو ما أتى عليه خالد الدخيل في مقاله السالف، بقوله: "المسؤول عن السياسة الإعلامية لا يفتقد للحس الإنساني وحسب، بل يفتقد للذكاء العادي أيضاً".
قبل أربعة سنوات تقريباً، ذكرت في مقال "الخشية من البديل في ما لو دقَّت الديموقراطية باب دمشق"، أنه "يبقى المواطن السوري هكذا، على أنقاض حاله، محكوماً بالاستبداد، والخشية من الديموقراطية في آن، إلى أن تحدث معجزة ما في زمنٍ ما، تعيد ترتيب سورية بما ينسجم مع إرثها الحضاري، وروح العصر". وها هي المعجزة، قد حدثت. وذلك عبر موجهة الانتفاضات والثورات التي جابت شمال إفريقيا، ووصلت الى اليمن ثم سورية. ولن تعود عقارب الساعة للوراء. ولم تعد فزّاعة "الفتنة الطائفيّة"، التي يثيرها الطائفيّون انفسهم، تجدي نفعاً، لا في سورية، ولا لبنان. فنظام مبارك، كانت فزّاعته، النظام الإسلامي الأصولي، عبر الترويع من مجيء جماعة الاخوان المسلمين للسلطة. وفزّاعة النظام الليبي، كانت "القاعدة". أمّا فرّعة النظام السوري، فهي "الفتنة الطائفيّة" التي تثيرها إسرائيل واطراف أجنبيّة!. ولعلّ أبرز ما يمكن قوله في هذه الفزّاعة، أنها نفسها، التي يروّج لها النظام الإيراني و"حزب الله" اللبناني. والحال هذه، من بديهيّات القول: إن الرئيس السوري، ولئلا يحجز لنفسه مكاناً إلى جوار بن علي ومبارك والقذافي، ويجنّب البلاد أنهار الدماء، ويدخل التاريخ، من أوسع أبوابه، عليه، الإيعاز الفوري، بالإعلان عن تغيير المادّة الثامنة في الدستور السوري، التي تقضي بأن حزب البعث هو القائد للدولة والمجتمع. وإطلاق قانون للأحزاب، والاعلان عن انتخابات رئاسيّة وبرلمانيّة، نزيهة، وتشكيل جمعيّة وطنيّة، تضع دستور مدني عصري للبلاد، يعبّر عن حقيقة التنوّع القومي والديني والطائفي في البلاد، ويضمن ويصون حقوق كل مكوّنات النسيج الاجتماعي. هكذا، يصبح بشّار الأسد، قائد الدولة والمجتمع، بدون حزب البعث، وبدون حالة الطوارئ والأحكام العرفيّة، ونظام فاسد ومستبدّ.
كاتب كردي سوري
ملاحظة: المقال مكتوب قبل خطاب الأسد بثلاثة أيّام. وأثبت الخطاب وما بعده، أن الرئيس السوري يريد أن يُحشر في التاريخ من الطغاة والجزّارين.