حسني كدو :
يقول المثل (كما تزرع تحصد ) فلقد زرع البارزاني الخالد خصالا وأفعالا حميدة , ليس فقط بين شعبه الكوردي في كوردستان العراق , بل في سائر الاماكن الذي تواجد وناضل فيها , وكان نضاله نبيلا , نقيا , يخص كل قومه وشعبه , ومن يعش بينهم في سائر أجزاء كوردستان , وتجلى ذلك في معاركه الطويلة مع خباثة وقذارة أفعال أعداءه, هذه
الأفعال الشنيعة التي رفضها البارزاني ان تكون منهجا وسياسة يرد بها بالمثل على أعداءه , جعل منه محاربا نظيفا , وقائدا خالدا , يعتز و يغني باسمه كل كوردي , ويحترمه القاصي والداني, والعدو والصديق .
وبناء على هذا الارث , واستنادا على العلاقة و الأحداث التاريخية التي كانت تربط بين البارزاني الخالد و موسكو و نظرا لأهمية دور السروك مسعود الاقليمي و دور الاقليم , وجهت الاتحاد الروسي دعوة رسمية للسروك مسعود البارزاني لزيارة موسكو, وبناء على ذلك لبى السروك الدعوة , وقام بزيارة رسمية على رأس وفد رسمي عالي المستوى استمرت لمدة يومين , وكان اول ما قام به الابن البار السروك مسعود , زيارة العرين والبيت الذي عاش فيه والده الزعيم الخالد في موسكو , طيلة وجوده هناك , والجدير بالذكر ان البارزاني الخالد ومعه 500 مقاتل خاضوا معارك ضارية مع الحكومة الايرانية بعد سقوط جمهورية مهاباد وذاقوا أقسى العذابات خلال رحلتهم الطويلة و الشاقة ولجوءهم الى موسكو . لقد استطاع البارزاني , الذي تأثر بالثقافة والحضارة واللغة الروسية ,دون أن ينسى جبال كوردستان وشعبها, ان يؤسس صداقات قوية في الكثير من دول الاتحاد السوفياتي .
و بالعودة الى الزيارة , التاريخ يعيد نفسه و لكن باضافات , فالزمان مختلف, والحالة والواقع الكوردي مختلفان عن ايام الحقبة الستالينية , فكوردستان العراق تتمتع بحكم فيدرالي , وهي دولة مستقلة غير معلنة , و تتمتع بمكانة وقوة اجتماعية واقتصادية وعسكرية , ناهيك عن دعم أمريكي وغربي له , لذلك استقبل الرئيس بوتين السروك مسعود في الكرملين بحفاوة الرؤساء , بخلاف الكرملين ايام الشيوعية الذي لم يتمكن البارزاني الخالد قبل 67 عام من الوصول اليها الا بشق الأنفس و بعد محاولاته المتكررة طالبا النجدة والعون حتى يدافع عن شعبه.
لقد أكد السروك مسعود حرصه على تعزيز العلاقات مع روسيا , وبان زيارته تهدف الى ارساء علاقات اقتصادية وسياسية متينة بين الشعبين , وان امام الشركات الروسية آفاق جيدة للبحث والتنقيب عن البترول والغاز الطبيعي في اقليم كوردستان العراق, جدير بالذكر ان شركة غاز بروم الروسية ابرمت اتفاقا مع حكومة اقليم كوردستان للبحث والتنقيب في حقول مندلي بمنطقة ديالي الواقعة في المناطق المتنازعة عليها ومن غير علم الحكومة المركزية في بغداد , وهذا كان احد النقاط المهمة في نقاشات السيد السروك مسعود البارزاني الذي اكد على شرعية الصفقة , كما اكدت الشركة نفسها على الالتزام بالاتفاق المبرم وعدم شرعية ادعاءات بغداد .
الشيء الثاني الذي أكد عليه السروك مسعود , مسألة صفقة الاسلحة مع بغداد , و بانه سعيد لقرار روسيا بتحييد بيع الاسلحة للعراق , لكن روسيا اعلنت انها ستبيع الاسلحة شريطة عدم استخدامها في اي نزاع داخلي , وهذا ما كان يرمي اليه السروك البارزاني.
والشيء الثالث , الشأن السوري ودور الكورد فيه , ولقد نقل السروك مسعود تصور كورد سوريا المتمثلة بالهيئة الكوردية العليا للحل في سوريا , من دون ان يتكلم باسمهم , وهو بذلك وضع تصور كورد سوريا لخريطة سورية المستقبل أمام القيادة الروسية , التي تعمل جاهدة على الاستثمار في الورقة الكوردية في العراق وفي سوريا .
و كان السروك مسعود قد عقد مسبقا اجتماعا في قصر الرئاسة في اربيل مع الهيئة الكوردية العليا, وناقش معهم جميع المسائل , الاجتماعية , المعيشية , السياسية , الاقتصادية والعسكرية و الأمنية وكذلك العلاقة بين المعارضة السورية والكورد , ومشاكل اللاجيئن الذين زاد عددهم عن 80000 , وتنفيذ بنود اتفاقية هولير على الارض وضرورة الارتقاء بالعمل الكوردي الجماعي والمنظم .
لقد خططت معهد الدراسات الاسترتيجية للشرق الادنى والاقصى للعلوم في موسكو لهذه الزيارة ونصحت بوتين بالعمل على فتح قنوات مع خط أربيل , وحددت موعد الزيارة في نوفمبر2012 , لكن مرض بوتين حال دون ذلك وأجلت الزيارة الى فبراير2013 , ونالت الزيارة اهتماما روسيا كبيرا, ودارت مناقشات مستفيضة حول الاهتما م المتبادل بالاضافة الى الشأن السوري والعراقي , جدير بالذكر ان الكورد السوريين غابوا عن الاجتماع في موسكو , غير ان الاحداث وبكل وضوح تشير الى عدم جدية الحلول بين النظام والمعارضة بدون المكون الكوردي , القومية الثانية في سورية و الشريك الاساسي لاية تسوية.
لقد دامت الزيارة يومان , وحاولت بل وضعت روسيا كل ثقلها في انجاح هذه الزيارة و الخروج منها بنتائج ملموسة ومهمة , وحاولت جاهدة في كسب الكورد الى جانبها ولو باضعف الايمان , فأخر قلاعها ستنهار لا محالة , وتأييده المفرط للنظام السوري لم يعد مجديا ومثمرا , ولكنها لاتريد ان يكون الانهيار كارثيا , بل تريد الخروج منه بأقل الخسائر , لذلك حاولت بان تميل الى جانبها الكورد , وذلك بخلق توازن بين اقليم كوردستان العراق والمالكي لتصبح هي أقوى في العراق , في الجنوب الشيعي , وفي الشمال الكوردي , وكذلك الامر بينها وبين كورد سوريا حيث اجتمع الاتحاد الروسي مسبقا مع ممثلين عن حزب ب ي د واستمع الى وجهة نظرهم لسوريا المستقبل, وهي اليوم تحاول استثمارهم للمستقبل , وبهذا تكون روسيا قد مهدت لحلفاء جدد في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد.
الرياض.
7-3-2013
حسني كدو
Hezni.gadoo@hotmail.com