أحمـد قاســم :
الكل يتكلمون عن أني أي تدخل عسكري خارج في الشأن السوري, يعني ذلك أن المنطقة بأكملها ستشتعل.. والكل ينكلمون عن حل سلمي عن طريق الحوار بين الأفرقاء.. والكل يجرِمون النظام أنه ارتكب جرائم ترتقي إلى مستوى جرائم ضد الإنسانية, وتحاول مجلس العفو الدولية إحالة الملف إلى المحكمة الدولية المتخصصة بفتح ملف للتحقق
من تلك الجرائم لإدانة المجرمين وفق المعلومات الموثقة التي جمعتها لجان ومنظمات الدفاع عن حقوق الإنسان, والتي تجاوزت الآلاف من الوثائق المثبتة والمدموغة لاتقبل الشك.
منذ ثلاثة وعشرين شهراً و الناس يُقتلون على مرئى من المجتمع الدولي, والنظام يزيد شراسة كلما يتحرك مجلس الأمن ليزيد من عنفه ضد الأبرياء من الشعب وليزيد من عدد القتلى اليومي, عدا عن مجازر جماعية هنا وهناك من دون أن يرى أحد إلا بعد أن يرمى أشلائهم على الأرصفة والشوارع والأنهار والبساتين.. ليبدو المشهد بشكل واضح, على أن النظام لا يمكن أن يتوقف عن القتل والتدمير ما دام هناك إثنان ينادون بإسقاطه. حيث أن المأساة تجاوز الأوصاف, وأن المرء لا يمكن أن ينظر إلى ما يجري في سوريا من دون أن يدمع عينيه إلا أصحاب المصالح الدنيئة والمتخبية تحت عباءات مختلفة يزيدون الأمر تعقيداً ويوهمون الناس بأن الذي يجري في سوريا مرعب والتقرب إليه سيدمر المنطقة بأكملها, إستناداً الى تهديدات بشار الأسد وتأكيدات روسيا وإيران عليها, لترك الشعب بين نيران لا يمكن إخمادها إلا بتدخل دولي بقرار من مجلس الأمن أو خارجه.
سنة أشهر كانت المظاهرات سلمية والنظام يواجه العزل بالسلاح, ويقتل العشرات من المواطين بدم بارد.. ستتة أشهر كانت الشبيحة تفعل اشنع وأبشع الأفعال ضد المحتجين والمتظاهرين.. وفي كثير من الحالات تلعب دور العصابات المسلحة وتقتل الجنود الذين يرفضون قتل المتظاهرين لإتهام المتظاهرين بأنهم يحمون من بينهم مسلحون إرهابيون يقتلون الجنود من الجيش السوري.. وستة أشهر كان المجتمع الدولي يتسمع إلى كذبة الأسد ومسرحياته الهزلية التي كان من خلالها يبين للعالم على أنه يواجه مؤامرة دولية وعصابات مسلحة من الإرهابيين, إلى أن تسلح الشباب من المتظاهرين بعد البدء بعملية الإنشقاقات التي حصلت بين الجيش السوري مع أسلحتهم للدفاع عن المتظاهرين وأعراض الناس التي كانت تغتصب من قبل شبيحة النظام دون رادع يردعها أو قانون يحاسبها.. وبعد ستة أشهر من تخاذل المجتمع الدولي, حيث كان عدد القتلى قد تجاوزت ثلاثة آلاف شهيد والآلاف من الجرحى ومئة آلاف معتقل رهن الإعدامات بالجملة... والمجتمع الدولي يتشاور مع جامعة الدول العربية لبحث ومناقشة وسيلة قد تردع النظام لوقف العنف في سوريا... كلنا تابعنا تلك المسرحيات المشمئزة والمسقرة من المجتمع الدولي والتي كان يحتج دائماً على أن روسيا تقف أمام أي قرار يدين سوريا ويلزمها على وقف العنف..
في حقيقة الأمر, كانت هناك لعبة أخرى في العمق تدور رحاها بين الدول الفاعلة والنافذة على المستويين الدولي والإقليمي.
الولايات المتحدة الأمريكية تخلت عن سياستها الواقعية وسلكت سياسة أكثر براغماتية في تعاملها مع الأزمة في سوريا. لم تتجاوز خطاباتها المعارضة للنظام السوري أدنى مستوى من الإدانة, وعلى أن ما يجري في سوريا خطير وعلى النظام أن يتوقف من دون تدخل خارجي... حيث أخذت أوربا حذوها ولم تبادر هي الأخرى بالتدخل خوفاً من أن تتجاوز نيران سوريا المندلعة حدودها, وتحرق العالم حسب زعمها... فكانت العقوبات التي تتخذ من حين إلى حين بحق أشخاص في النظام ليس إلا ذر الرماد في العيون.. وفي هذه الخطوات شاركت تركيا أيضاً والبدء باحتواء اللاجئين السوريين كضيوف في مضافاتهم التي جهزت لإستقبال من يهربون من الموت.
أما روسيا والصين وإيران فكانت اكثر صرامة وصراحة في خطابهم تجاه الأزمة, حيث صرحت روسيا عدة مرات أن ما يصيب النظام السوري يعنيهم في الصميم, وأنها سوف لن تتوقف مكتوفة الأيدي عند أي تدخل خارجي دولي ضد النظام السوري... أما إيران فصرحت هي الأخرى أن سوريا هي بمثابة المحافظة الخامسة والثلاثين من إيران, وأي هجوم خارجي عليها سترد إيران بعنف.. كل هذه التصاريح ليست إلا أدوات استخدمتها الدول من اجل تمرير سياسة توافقية في المنطقة على حساب الدم السوري. وأن ما طرح من قبل معاذ الخطيب من بدء الحوار مع النظام للوصول إلى الحل السلمي هو الآخر احد آليات السير نحو التنفيذ ما قرر بالأساس بين دول بعينها, هي الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وإسرائيل, مع لم تركي بالإتفاق على أن تترك الشعب السوري في مواجهة النظام إلى أن تدمر البنية التحتية بالكامل في سوريا وتدمير إرادة الشعب السوري وقواه الإقتصادية وترابطه الإجتماعي من خلال الفلتان الأمني وترك العصابات المسلحة ان تأخذ دورها في تدمير المجتمع تدميراً عمودياً وفقياً... ويقيناً أن النظام أيضاً كلف بشكل من الأشكال تنفيذ ذلك.. وفي نهاية المطاف ستفرض حلول بعيدة كل البعد عن اهداف الثورة التي قامت من اجل تحقيقها إن بقيت سوريا كدولة متحدة صالحة للترميم وبناء نفسها من جديد قد تحتاج إلى خمسين سنة قادمة.
إن الحرب الدائرة هي غطاء لحرب عميقة تدور رحاها وراء الأبواب المغلقة, والأسابيع القادمة ستتبين عواملها وتنكشف بوادرها من دون أن تتبين نتائجها في المستقبل القريب, كون العملية مرتبطة بعملية السلام الشامل في الشرق الأوسط وستزج إسرائيل نفسها في العملية بفاعلية اكثر لكسب المعركة وإستغلال الضعف الذي ستصل إليها الحالة السورية من أجل توقيع إتفاقية السلام وفقاً لتحقيق أمنها الإقليمي مع الدول الجوار من خلال إرضاء الفلسطينيين بالضفة والقطاع كدولة منزوعة السلاح لمدة خمسة وعشرين سنة قادمة.
وهنا سؤال مطروح بقوة وله استحقاقات لا تنفصل عن مجريات العملية الدولية وهو: أين الكورد من عملية قد تغير وجه الشرق الأوسط برمته ؟ لنترك الإجابة قد تتبين معالمها لاحقاً.
أحمــــــد قاســــــــــم
الكاتب والسياسي الكوردي السوري 21\2\2013