أحمــد قاسـم :
سوريا كانت بحكومة البعث في مواجهة كل التحولات الديمقراطية في المنطقة, حيث نظم حزب البعث المئات من المجموعات المؤيدة له في جميع البلدان العربية, سعياً منه الوصول إلى السلطة في كل بلد عربي تحت يافطة معلنة بشعاره الذي أعلن عنه عند تأسيسه ( أمة عربية واحدة... ذات رسالة خالدة ) وليضع في استراتيجيته أن
الديمقراطية لا يمكن أن تؤسس أو تمارس من دون تحقيق وحدة عربية شاملة , وبالتالي تحقيق حرية الإنسان العربي والعمل على تأسيس نظام إشتراكي يتوافق مع خصوصية العرب وفق منهجية الحزب البعث العربي الإشتراكي.. وعليه تم تأسيس قيادتين للحزب : قيادة قطرية تعني بشؤون سوريا وعملية ممارسة الحكم والسلطة فيها, والآخر قيادة قومية تعني بشؤون المجتمع العربي وإدارة عملية السياسة الخاصة وفق منظار وتطلعات حزب البعث الحاكم في سوريا... ولكي لا أدخل في التفاصيل, سأوجز بعض فعاليات البعث خارج سوريا.
مارس حزب البعث في جميع الأقطار العربية نوعاً من الإستعلاء على أنه الحزب الوحيد يبحث عن أساليب لتحقيق الوحدة العربية وتحرير فلسطين. وأن جميع الأنظمة العربية الحاكمة في الدول العربية أنها مرتبطة بالإمبريالية والصهيونية كونها أنظمة رجعية لا تؤمن بالحرية والعدالة الإجتماعية وتحقيق الإشتراكية حسب مفهوم حزب البعث الحاكم في سوريا. واستناداً عليه, أعطى لنفسه كل الحق في معارضة تلك الأنظمة بجميع الوسائل الممكنة. من تشكيل معارضات, إلى تنظيم خلايا تجسسية إستخباراتية, وصولاً إلى تنظيم وتجنيد أناس تدربوا بشكل منظم لعمليات خاصة من اغتيالات وارهاب تنفذ حيثما كانت الضرورة لخدمة هذا الحزب الذي استغل شعار العروبة بدقة متناهية , ليعطي لنفسه مشروعية معارضة كل نظام عربي, يرتئي أنه الوقت مناسب لمعارضة أحد ومسايرة الآخر والتوافق مع الثالث لخلط الأوراق ومن ثم ترتيبها وفقاً لمخططاتها التي في الأساس تخدم الفرقة بين الأنظمة الحاكمة, وبالتالي إشعال الفتنة بين هذا وذاك بحنكة كان حافظ الأسد مهندس تلك السياسة التي اتسمت بالتوازن والحفاظ على ذلك التوازن إلى آخر مراحل حياته. حيث كانت جامعة الدول العربية منبراً لخطاباته المشهورة والموصوفة بالخطب الضرورية للمرحلة التاريخية من قائد تاريخي. لتشكل شعاراته عبئاً ثقيلاً على صدور الأنظمة العربية الحاكمة ووبالاً عليها في تحريض الشعوب على حكامها.. وبالمثل كان يشكل عائقاً حقيقياً أمام تحقيق السلام في الشرق الأوسط والتعايش السلمي في المنطقة, مع تطمين امريكا وإسرائيل على أنه سوف لن يشن حرباً على إسرائيل من جولان المحتلة بعد اتفاقية الفصل بين القوات بين سوريا واسرائيل عام 1974 على يد وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية هنري كسينجر حيث قال في حينه ( ... سوف لن نرى حرباً في المنطقة من دون مشاركة مصر, ولا يتم اتفاقية السلام بين العرب والإسرائيليين من دون موافقة سورية..). كانت وصفة دقيقة لهنري كسينجر نعايشها حتى اليوم.
حزب البعث وقيادته شكلت جداراً منيعاً أمام التحولات الإجتماعية في سوريا, متوازياً مع تشكيل حواجز أمام قيام علاقات الأمن والإستقرار في المنطقة وفقاً لتحقيق المصالح المتوازنة بين الدول في شرق الأوسط والبلدان العربية. حيث كانت عملية إسقاط البعث في العراق انتصاراً لشعوب المنطقة بأسرها, لكن التدخل السوري في شأن العراق الداخلي عن طريق تصدير الإرهاب اليها وضرب الأمن والإستقرار الذي كان يتمناه الشعب العراقي أخرت كثيراً عملية بناء الإستقرار والتنمية الإجتماعية وعملية المصالحة بين مكونات الشعب العراقي, وبالتالي تأخير عملية البناء لعدم توفر الأمن للشركات الإستثمارية التي تطمح في مشاركة عملية إعادة البناء في العراق بعد حروب متعددة طوال سنين عديدة, وأن للنظام الإيراني المتحالف مع النظام السوري اليد الطولي في إدارة الصراع الطائفي بين مكونات الشعب العراقي التي أودت بقتل مئات الآلاف من العراقيين عن طريق تفجيرات انتحارية وزرع العبوات الناسفة في شوارع المدن العراقية والحروب المباشرة بين المكونات عن طريق ميليشيات طائفية وإرهابية متعددة الأصول والإنتماءات.
بعد كل هذه الدعارات السياسية التي مارسها حزب البعث السوري وبدعم من حليفه الاستراتيجي, جاء دوره ليتذوق نتائج أفعاله المشينة التي اتسمت في المضمون بأنها كانت سياسات تدعم الإرهاب بجميع أشكالها ضدشعبه وكذلك ضد الدول التي تعيق تمرير سياساته العنصرية والمذهبية الطائفية.
فهل يصدق العاقل أن المجتمع الدولي سوف ينهي العنف في سوريا قبل أن ينهي البعث وركائزه البنيوية والإستراتيجية؟ طبعاً لا, خوفاً من إعادة إنتاج نفسه من جديد واستلام السلطة بقوة السلاح التي يمتلكها واستخدامها ضد الشعب كما يستعملها الآن بدون هوادة.
أعتقد أن المجتمع الدولي لن يتدخل في الوقت القريب. وأن وقت التدخل يتوقف على عملية إنهاء ركائز البعث وبنيته, ومن العمل على تشكيل معارضة وسطية بديلة عن النظام تتوافق مع تطلعات المجتمع الدولي في سياساته الإقليمية والدولية لتشمل عملية السلام بين سوريا وإسرائيل لتحقيق مقولة هنري كسينجر. وقد يؤدي ذلك إلى إنتاج سورية من نوع جديد وبدستور ونظام جديدين يُفرض من المجتمع الدولي على الشعب السوري, كون التوافق بين مكونات المجتمع السوري بعيد المنال, وخصوصاً بين السنة والعلويين, فضلاً عن أن حل القضية الكوردية كقضية شعب لم ترى القبول من قبل المعارضات السورية, والتي, أي المعارضات لم تلقى حتى الآن دعماً دولياً لترتقي إلى مستوى التمثيل الحقيقي للثورة السورية . كون هذه المعارضات لا تمتلك مشروعاً يحقق من خلاله طموحات الشعب السوري بجميع مكوناته العرقية والمذهبية.
إذاً سننتظر إنتاج معارضة جديدة تمتلك مشروعاً سياسياً وأمنياً لتكتسب ثقة المجتمع الدولي بعد الإنتهاء من ضرب قواعد ومرتكزات حزب البعث وتمزيقه بحيث يصعب عليه لملمة نفسه من جديد ويشكل تهديداً على أمن وسلامة سوريا وكذلك المنطقة أيضاً. ومن المؤكد أن حزب البعث لن يسلِم سوريا إلا بعد تدميرها وتمزيق مجتمعها عمودياً وأفقياً.. وهكذا سيدمَر سوريا لنتخلص من حزب دام خمسين سنة يتنكل بالشعب السوري ويهين كرامته مع حرمانه من حريته الشخصية والإجتماعية.
أحمـــــــد قاســــــــــم
الكاتب والسياسي الكوردي السوري 22\2\2013