kl:01,06 16|06|2013 Sawtalkurd
صوت الكورد - الشفاف : معارضو "الخارج" ليسوا أفضل ما في الثورة السورية، وبعضهم لا يستحق صفة "المعارضة" أصلاً! والصورة من الخارج تبدو مشوّشة، وتدعو أحياناً للتشاؤم. وبالمقابل، فإن "أهل الداخل" يتشبّثون بتفاؤلهم، ويسخرون من خلافات الخارج التي باتت منقطعة الصلة بالميدان، وخاضعة لتأثيرات دول بعضها عربية، وبعضها غير عربية! ويصرّون على أن الثورة السورية منتصرة لا محالة!
المقابلة التالية أجراها "الشفاف" يوم أمس مع معارض من الداخل نتحفّظ على ذكر إسمه للأسباب.. المعروفة! وهي تعطي فكرة أدقّ عن وضع الثورة السورية، حتى في العاصمة السورية التي لم يعد النظام يسيطر عليها سوى بعشرات الحواجز العسكرية. ولكن ما يثير القلق هو أن نظام الأسد يمكن أن يلجأ في لحظة ما قبل فنائه إلى تدمير مدينة دمشق كفعل انتحاري أخير!
السؤال الأول للمعارض في الداخل كان حول مبرّرات "تفاؤله" رغم تعثّر الثورة وبقاء النظام بعد أكثر من سنتين من انطلاقتها:
أنا منذ البداية أرى في الثورة السورية ثورة شعب انتصاره حتمي وهذا الرأي لم أبنِه على معطيات الثورة بعد اندلاعها وإنما على رؤية أن هذا الشكل من الأنظمة حان زواله واندثاره ولم يعد قابلا للحياة، وبأنه فَقَد دوره ووظيفته الإقليمية والدولية, وأصبح مصيره محتوما نتيجة التحولات بالأولويات الدولية من دعم أنظمة ديكتاتورية تحمي المصالح الدولية باستقرارٍ وهمي يمكن أن ينكسر بأي وقت ويهدد العالم إلى دعم ديموقراطيات تجلب على المدى العيد استقراراً لا يتزعزع.
قتال في قلب دمشق
والشيء الوحيد الذي كان يمكن نقاشه هو الشكل والطريقة والثمن والوقت.
هذه الحقيقة كانت واضحة منذ بداية الألفية، وتحديدا بعد أحداث أيلول عام 2001، وتعززت بعام 2003 بعد الدخول الأمريكي المباشر للمنطقة. ومع تأخير التغيير لعقد كامل لأسباب بعضها خارجي وأساسها داخلي لعدم نضوج الوضع الداخلي للثورة، ولعب النظام وحلفاؤه دورا كبيرا بتشتيت الجهود لعملية التغيير الحتمية وتأخيرها بالقيام بما يشعر العالم أنه ضروري له. كالتلاعب بالحركات الجهادية والتلاعب باستقرار لبنان واختلاق حرب تموز 2006 وغيرها. لكن أفعاله بسبب تعجله وعدم التحول العالمي كانت تنعكس سلباً عليه كل مرة وتؤكد للعالم مرة بعد مرة أنهم لم يعودوا بحاجة إليه ولكنه أصبح عبئا عليهم يجب التخلص منه. وبالتالي، كان لشرارة الربيع العربي الفضل بتحضير ونضوج العامل الداخلي الأساسي وانطلاق الثورة السورية، التي هي برأيي الثورة الوحيدة بالتاريخ التي شارك بها كل الشعب. وبالتالي سيكون تأثيرها على التاريخ كبيرا جدا.
ربما لهذه الرؤية أثر كبير بالتفاؤل الذي أعيشه، رغم كل الألم والمعاناة والقتل والتدمير! فأنا ما زلت أؤمن أن المهام الكبيرة والعظيمة تتطلب تضحيات كبيرة وعظيمة، وأثبت الشعب السوري أنه أسطورة حقيقية ملموسة بالإيمان بالثورة وبتقديم التضحيات الغالية للوصول للأهداف الكبيرة، وأعني هنا ليس تغيير النظام بسوريا وإنما حقيقة تغيير العالم كله وهذا حتمي وأكيد برأيي.
حتى بعد انكسار "القصير"؟
أما بالنسبة لما حدث بـ"القصير" وما يسميه البعض "انكساراً، من وجهة نظري أنه انتصار ساحق لقوى الثورة كان ثمنه بسيطا يمكن تعويضه واسترداده بسهولة مقابل الخسارة الساحقة التي لن تعوض أبدا التي لحقت بالنظام وحلفائه.
في الحقيقة أن مقابل ما كسبه حزب الله بالقصير من تدمير كامل لما مساحته 25 كيلو متر مربع وقتله لمئات الشهداء كان ثمنه خسارة معركة وجوده التي كان يبني لها منذ أكثر من ثلاثين سنة خسارة نهائية لا يمكن أن يسترد منها أي شيء مهما فعل وحاول! فقد انتهت الحرب بهذا المجال، وظهر أنه المهزوم الوحيد فيها ولن تقوم له قائمة بعد الآن على هذه الأرض.
والخسارة الساحقة الثانية أنه بدا واضحا أن النظام فقد كل أوراقه الداخلية من فئات تؤيده وجيش وأسلحة يملكها ودعم مالي وسياسي ولوجستي استخدمها كلها وبكامل طاقتها ولم يستطع أن يكسب شبرا واحدا!فبدأ يعتمد على حلفائه الخارجيين، ليس بالمال والسلاح، وإنما بالرجال والمقاتلين بالمشاركة المباشرة غير مبالٍ بانتقال المعركة إلى حرب طائفية سنية-شيعية باعتماده على الحلفاء الشيعة. مما يظهر بشكل واضح ضعفه وانهاكه وفقدان الثقة بالانتصار.
والخسارة الثالثة أن المعركة لم تعد بين نظام شرعي حسب ما يعتقد البعض وبين معارضة شعبية تقوم بثورة للإطاحة بالنظام, المعركة الآن أصبحت بين شعب واحتلال بكل ما تعنيه الكلمة! والاحتلال مهما كسب من أراضي بحكم قوة السلاح، فإن مصيره التخلي عنها حتما ومصيره الزوال, ففقدَ النظام آخر أوراق الشرعية التي كان يستر بها جرائمه وأصبحت جهة "الشرعية" واضحة وهي للشعب المقاوم للاحتلال. فلا يمكن لأي جهة أن تمنح شرعية لاحتلال مهما طال ومهما استخدم السلاح للسيطرة.
يستطيع الاحتلال أن يسيطر على أراضي بحكم القوة العسكرية، ولكنه لا يمكنه أن يحكم أبدا. وهذ الوضع ينسحب إلى "بابا عمرو" و"خربة غزالة" وغيرها من المواقع التي يمكن أن يحصل بها كرّ وفرّ. وهذه الانتصارات تسجل أولا للصمود الأسطوري للشعب السوري، وثانيا لقرار من يدير معركة النظام وحركته مع حلفائه الذي قرر أن يطلق النار على قلبه مباشرة ويقتل نفسه موفرا على المنطقة وشعوبها معركة مستقبلية كانت ستكلف مئات الالاف من الضحايا إن لم نقل ملايين!
يبدو من التحركات الدولية الأخيرة السريعة والفاعلة ومنها القرار الأمريكي بتزويد المعارضة بالسلاح والتهديد بالتدخل الدولي المباشر,،وخطاب نصر الله أمس الذي أحسّ على ما يبدو تأثير الهزيمة الاستراتيجية عليه فحاول دون جدوى تخفيف آثارها. كل ذلك لمواكبة الانتصارات الاستراتيجية الثورة.
والوضع في دمشق؟
بالنسبة لدمشق، فإنها بكل بساطة تحت احتلال عسكري مباشر.
احتلال خائف مرتعب. يقطع أوصال قلب المدينة الذي لم يعد يسيطر إلا عليه بعشرات الحواجز مما يجعل التحرك خانقا ومرهقا. وأهالي دمشق الموالون والمعارضون قلقون ليس من الحالة الأمنية فقط، بل قلقون وبشدة على مدينتهم أن تتعرض للتدمير من قبل النظام.
فالموالون قبل المعارضين يعلمون علم اليقين أن النظام لديه القدرة النفسية والعسكرية لتدمير دمشق، ويمكن أن يقوم بذلك. والجميع خائفون عليها ويستقبلون يومهم بالتفاؤل أن التحرك الدولي يمكن أن يجنب مدينتهم الدمار.
أما بالنسبة لأحياء دمشق التي تشهد اشتباكات وهي تحت يد الثوار، وبالنسبة لريف دمشق، فالوضع مختلف. هناك معاناة شديدة إنسانية من جهة لعد توفر المواد الغذائية والأشياء الأساسية للحياة، ومعاناة أخرى من الأوضاع الأمنية التي تنتج عن الاشتباكات والقصف، ومعاناة ثالثة من بعض المجموعات والمقاتلين الذين يريدون فرض آرائهم وطريقة حياتهم على المناطق التي يسيطرون عليها بالتهديد أحيانا وبحجب المساعدات أحيانا أخرى وبالسيطرة على مرافق الخدمات العامة من شرطة وقضاء وغيرها. ولكن، بالنتيجة، الرأي العام لكل الناس الذين يقطنون هذه المناطق أنهم مستعدون لتحمل كل هذه المعاناة وأن بإمكانهم تصحيحها بالمستقبل ولكنهم لن يقبلوا بأي شكل أن يعودوا لكنف النظام القديم الذي سقط ولم يعد له وجود بالنسبة لهم سوى بمنعهم من إعادة بناء حياتهم كما يريدون.
ماذا عن قوة التيّار الاصولي؟
بالنسبة للتيار الأصولي لا اعتقد أبدا أنه يمكن ان يؤثر بشكل كبير على مستقبل سوريا الجديد.
نعم هناك تيار أصولي يحاول فرض أجندته على المناطق التي يسيطر عليها. وهذا التيار باعتقادي وقناعتي أن النظام هو من أطلقه بالبداية ودعمه وعزز وجوده لإخافة العالم والشعب من الثورة ، ولكن التطورات الكبرى التي حدثت وظهور البعد الطائفي للنزاع المسلح والذي غذّاه النظام بكل قوة أدت إلى نمو هذا التيار خارج إطار النظام وتنوع مجموعاته وخروج بعضها عن السيطرة. وإن كان للنظام حتى الآن وسائل وأشخاص ومجموعات ضمن هذا التيار يتم التحكم بحركته وعملياته لتحقيق أجندة النظام بتحويل الثورة إلى نزاع بين الدولة وتنظيمات إرهابية وإخافة العالم. وقد جاء دعم كبير لهذا التيار بالمال والسلاح.
قسم من هذا الدعم قام به النظام نفسه عبر شخصيات قريبة منه للتحكم بحركة هذه المجموعات! هذا الدعم هو الذي قوّى هذه المجموعات، فضمّت إليها أعداداً كبيرة طمعا بالسلاح والمال وليس إيمانا بالأفكار الدينية لهذه المجموعات. ومع كل ذلك فإن أحسن التقديرات تقول أن حجم هذا التيار لا يتجاوز 10% من أعداد المقاتلين على الأرض من الجيش الحرّ والمتطوعين. ومن يعرف تاريخ سوريا وطبيعة شعبها لا يقلق أبدا من سيطرة تيار متطرف لأن المنطقة والشعب لم يعرفوا التطرف بكل تاريخهم، وما يظهر بعض الأحيان من تجاوزات ليست أبدا هي المعبر عن طبيعة المعركة، وإن كان بعض الإعلام يغالي كثيرا في دور وحجم هذه المجموعات ويسلط الضوء على التجاوزات بشكل كبير، ولكن من قال أن هناك ثورة طاهرة بالتاريخ؟
أليس هنالك خطر على الأقليات في سوريا؟
هل هناك خطر على الأقليات بسوريا؟ نعم هناك خطر محدق بالطائفتين العلوية والشيعية. هذا الخطر أتى من نفس الطائفتين. هم وضعوا أنفسهم بهذا الخطر عندما لم يجدوا أمامهم أي حيلة أخرى للبقاء أسيادا تحت شعار القومية والوطنية والمقاومة، فكشفوا عن وجه طائفي مقيت. وهذا الخطر يزداد اقترابا وملمسا كلما توغل النظام وحلفاؤه في الكشف عن وجه طائفي جديد. وكلما تقاعس أبناء الطائفتين عن التبرؤ من أفعال هذا النظام ورفع الغطاء الطائفي عنه والانغماس حقيقة مع قوى الثورة. وكلما يستمر سكوت العالم عما يجري بل والسماح بما يجري لتحقيق مصالح آنية مؤقتة تتمثل بمقاومة قوى التطرف لبعضها وتدمير نفسها على حساب الشعب السوري وبنيته التحتية وحياة أبنائه. بينما الغرب يكسب بمراقبة أعدائه يدمرون بعضهم,
هذه اللعبة الغربية وإن اعطت بعض الانتصارات المؤقتة للغرب، لكنه بالمستقبل سيدفع ثمنها كبيرا بانفجار المنطقة بوجهه. وهو الذي سيحمل العبء الأكبر بإبعاد النيران عن مناطقه. وتحمل آثار زلزال لن يستطيع التحكم به وبنتائجه.
أما بالنسبة لباقي الأقليات فلا أعتقد ان هناك خطرا يهددهما. ربما تزاد حياتهم صعوبة أو تعقيدا لمرحلة معينة، ولكن هي مرحلة مؤقتة وقصيرة لن تؤثر أبدا على وجودهم أو دورهم في مستقبل سوريا.
لقد حققت الثورة السورية انتصارها المحلي منذ اللحظة الأولى لانطلاقها! وبسبب ممارسات النظام وطبيعته فرض عليها الدخول بمعركة التغيير الإقليمي، وهي الآن وبحكم موقع سوريا في قلب العالم جغرافيا وحضاريا ،تتهيأ لخوض معركة التغيير العالمي, وستنتصر حتما فالأساطير لا تنكسر.
صوت الكورد - الشفاف : معارضو "الخارج" ليسوا أفضل ما في الثورة السورية، وبعضهم لا يستحق صفة "المعارضة" أصلاً! والصورة من الخارج تبدو مشوّشة، وتدعو أحياناً للتشاؤم. وبالمقابل، فإن "أهل الداخل" يتشبّثون بتفاؤلهم، ويسخرون من خلافات الخارج التي باتت منقطعة الصلة بالميدان، وخاضعة لتأثيرات دول بعضها عربية، وبعضها غير عربية! ويصرّون على أن الثورة السورية منتصرة لا محالة!
المقابلة التالية أجراها "الشفاف" يوم أمس مع معارض من الداخل نتحفّظ على ذكر إسمه للأسباب.. المعروفة! وهي تعطي فكرة أدقّ عن وضع الثورة السورية، حتى في العاصمة السورية التي لم يعد النظام يسيطر عليها سوى بعشرات الحواجز العسكرية. ولكن ما يثير القلق هو أن نظام الأسد يمكن أن يلجأ في لحظة ما قبل فنائه إلى تدمير مدينة دمشق كفعل انتحاري أخير!
السؤال الأول للمعارض في الداخل كان حول مبرّرات "تفاؤله" رغم تعثّر الثورة وبقاء النظام بعد أكثر من سنتين من انطلاقتها:
أنا منذ البداية أرى في الثورة السورية ثورة شعب انتصاره حتمي وهذا الرأي لم أبنِه على معطيات الثورة بعد اندلاعها وإنما على رؤية أن هذا الشكل من الأنظمة حان زواله واندثاره ولم يعد قابلا للحياة، وبأنه فَقَد دوره ووظيفته الإقليمية والدولية, وأصبح مصيره محتوما نتيجة التحولات بالأولويات الدولية من دعم أنظمة ديكتاتورية تحمي المصالح الدولية باستقرارٍ وهمي يمكن أن ينكسر بأي وقت ويهدد العالم إلى دعم ديموقراطيات تجلب على المدى العيد استقراراً لا يتزعزع.
قتال في قلب دمشق
والشيء الوحيد الذي كان يمكن نقاشه هو الشكل والطريقة والثمن والوقت.
هذه الحقيقة كانت واضحة منذ بداية الألفية، وتحديدا بعد أحداث أيلول عام 2001، وتعززت بعام 2003 بعد الدخول الأمريكي المباشر للمنطقة. ومع تأخير التغيير لعقد كامل لأسباب بعضها خارجي وأساسها داخلي لعدم نضوج الوضع الداخلي للثورة، ولعب النظام وحلفاؤه دورا كبيرا بتشتيت الجهود لعملية التغيير الحتمية وتأخيرها بالقيام بما يشعر العالم أنه ضروري له. كالتلاعب بالحركات الجهادية والتلاعب باستقرار لبنان واختلاق حرب تموز 2006 وغيرها. لكن أفعاله بسبب تعجله وعدم التحول العالمي كانت تنعكس سلباً عليه كل مرة وتؤكد للعالم مرة بعد مرة أنهم لم يعودوا بحاجة إليه ولكنه أصبح عبئا عليهم يجب التخلص منه. وبالتالي، كان لشرارة الربيع العربي الفضل بتحضير ونضوج العامل الداخلي الأساسي وانطلاق الثورة السورية، التي هي برأيي الثورة الوحيدة بالتاريخ التي شارك بها كل الشعب. وبالتالي سيكون تأثيرها على التاريخ كبيرا جدا.
ربما لهذه الرؤية أثر كبير بالتفاؤل الذي أعيشه، رغم كل الألم والمعاناة والقتل والتدمير! فأنا ما زلت أؤمن أن المهام الكبيرة والعظيمة تتطلب تضحيات كبيرة وعظيمة، وأثبت الشعب السوري أنه أسطورة حقيقية ملموسة بالإيمان بالثورة وبتقديم التضحيات الغالية للوصول للأهداف الكبيرة، وأعني هنا ليس تغيير النظام بسوريا وإنما حقيقة تغيير العالم كله وهذا حتمي وأكيد برأيي.
حتى بعد انكسار "القصير"؟
أما بالنسبة لما حدث بـ"القصير" وما يسميه البعض "انكساراً، من وجهة نظري أنه انتصار ساحق لقوى الثورة كان ثمنه بسيطا يمكن تعويضه واسترداده بسهولة مقابل الخسارة الساحقة التي لن تعوض أبدا التي لحقت بالنظام وحلفائه.
في الحقيقة أن مقابل ما كسبه حزب الله بالقصير من تدمير كامل لما مساحته 25 كيلو متر مربع وقتله لمئات الشهداء كان ثمنه خسارة معركة وجوده التي كان يبني لها منذ أكثر من ثلاثين سنة خسارة نهائية لا يمكن أن يسترد منها أي شيء مهما فعل وحاول! فقد انتهت الحرب بهذا المجال، وظهر أنه المهزوم الوحيد فيها ولن تقوم له قائمة بعد الآن على هذه الأرض.
والخسارة الساحقة الثانية أنه بدا واضحا أن النظام فقد كل أوراقه الداخلية من فئات تؤيده وجيش وأسلحة يملكها ودعم مالي وسياسي ولوجستي استخدمها كلها وبكامل طاقتها ولم يستطع أن يكسب شبرا واحدا!فبدأ يعتمد على حلفائه الخارجيين، ليس بالمال والسلاح، وإنما بالرجال والمقاتلين بالمشاركة المباشرة غير مبالٍ بانتقال المعركة إلى حرب طائفية سنية-شيعية باعتماده على الحلفاء الشيعة. مما يظهر بشكل واضح ضعفه وانهاكه وفقدان الثقة بالانتصار.
والخسارة الثالثة أن المعركة لم تعد بين نظام شرعي حسب ما يعتقد البعض وبين معارضة شعبية تقوم بثورة للإطاحة بالنظام, المعركة الآن أصبحت بين شعب واحتلال بكل ما تعنيه الكلمة! والاحتلال مهما كسب من أراضي بحكم قوة السلاح، فإن مصيره التخلي عنها حتما ومصيره الزوال, ففقدَ النظام آخر أوراق الشرعية التي كان يستر بها جرائمه وأصبحت جهة "الشرعية" واضحة وهي للشعب المقاوم للاحتلال. فلا يمكن لأي جهة أن تمنح شرعية لاحتلال مهما طال ومهما استخدم السلاح للسيطرة.
يستطيع الاحتلال أن يسيطر على أراضي بحكم القوة العسكرية، ولكنه لا يمكنه أن يحكم أبدا. وهذ الوضع ينسحب إلى "بابا عمرو" و"خربة غزالة" وغيرها من المواقع التي يمكن أن يحصل بها كرّ وفرّ. وهذه الانتصارات تسجل أولا للصمود الأسطوري للشعب السوري، وثانيا لقرار من يدير معركة النظام وحركته مع حلفائه الذي قرر أن يطلق النار على قلبه مباشرة ويقتل نفسه موفرا على المنطقة وشعوبها معركة مستقبلية كانت ستكلف مئات الالاف من الضحايا إن لم نقل ملايين!
يبدو من التحركات الدولية الأخيرة السريعة والفاعلة ومنها القرار الأمريكي بتزويد المعارضة بالسلاح والتهديد بالتدخل الدولي المباشر,،وخطاب نصر الله أمس الذي أحسّ على ما يبدو تأثير الهزيمة الاستراتيجية عليه فحاول دون جدوى تخفيف آثارها. كل ذلك لمواكبة الانتصارات الاستراتيجية الثورة.
والوضع في دمشق؟
بالنسبة لدمشق، فإنها بكل بساطة تحت احتلال عسكري مباشر.
احتلال خائف مرتعب. يقطع أوصال قلب المدينة الذي لم يعد يسيطر إلا عليه بعشرات الحواجز مما يجعل التحرك خانقا ومرهقا. وأهالي دمشق الموالون والمعارضون قلقون ليس من الحالة الأمنية فقط، بل قلقون وبشدة على مدينتهم أن تتعرض للتدمير من قبل النظام.
فالموالون قبل المعارضين يعلمون علم اليقين أن النظام لديه القدرة النفسية والعسكرية لتدمير دمشق، ويمكن أن يقوم بذلك. والجميع خائفون عليها ويستقبلون يومهم بالتفاؤل أن التحرك الدولي يمكن أن يجنب مدينتهم الدمار.
أما بالنسبة لأحياء دمشق التي تشهد اشتباكات وهي تحت يد الثوار، وبالنسبة لريف دمشق، فالوضع مختلف. هناك معاناة شديدة إنسانية من جهة لعد توفر المواد الغذائية والأشياء الأساسية للحياة، ومعاناة أخرى من الأوضاع الأمنية التي تنتج عن الاشتباكات والقصف، ومعاناة ثالثة من بعض المجموعات والمقاتلين الذين يريدون فرض آرائهم وطريقة حياتهم على المناطق التي يسيطرون عليها بالتهديد أحيانا وبحجب المساعدات أحيانا أخرى وبالسيطرة على مرافق الخدمات العامة من شرطة وقضاء وغيرها. ولكن، بالنتيجة، الرأي العام لكل الناس الذين يقطنون هذه المناطق أنهم مستعدون لتحمل كل هذه المعاناة وأن بإمكانهم تصحيحها بالمستقبل ولكنهم لن يقبلوا بأي شكل أن يعودوا لكنف النظام القديم الذي سقط ولم يعد له وجود بالنسبة لهم سوى بمنعهم من إعادة بناء حياتهم كما يريدون.
ماذا عن قوة التيّار الاصولي؟
بالنسبة للتيار الأصولي لا اعتقد أبدا أنه يمكن ان يؤثر بشكل كبير على مستقبل سوريا الجديد.
نعم هناك تيار أصولي يحاول فرض أجندته على المناطق التي يسيطر عليها. وهذا التيار باعتقادي وقناعتي أن النظام هو من أطلقه بالبداية ودعمه وعزز وجوده لإخافة العالم والشعب من الثورة ، ولكن التطورات الكبرى التي حدثت وظهور البعد الطائفي للنزاع المسلح والذي غذّاه النظام بكل قوة أدت إلى نمو هذا التيار خارج إطار النظام وتنوع مجموعاته وخروج بعضها عن السيطرة. وإن كان للنظام حتى الآن وسائل وأشخاص ومجموعات ضمن هذا التيار يتم التحكم بحركته وعملياته لتحقيق أجندة النظام بتحويل الثورة إلى نزاع بين الدولة وتنظيمات إرهابية وإخافة العالم. وقد جاء دعم كبير لهذا التيار بالمال والسلاح.
قسم من هذا الدعم قام به النظام نفسه عبر شخصيات قريبة منه للتحكم بحركة هذه المجموعات! هذا الدعم هو الذي قوّى هذه المجموعات، فضمّت إليها أعداداً كبيرة طمعا بالسلاح والمال وليس إيمانا بالأفكار الدينية لهذه المجموعات. ومع كل ذلك فإن أحسن التقديرات تقول أن حجم هذا التيار لا يتجاوز 10% من أعداد المقاتلين على الأرض من الجيش الحرّ والمتطوعين. ومن يعرف تاريخ سوريا وطبيعة شعبها لا يقلق أبدا من سيطرة تيار متطرف لأن المنطقة والشعب لم يعرفوا التطرف بكل تاريخهم، وما يظهر بعض الأحيان من تجاوزات ليست أبدا هي المعبر عن طبيعة المعركة، وإن كان بعض الإعلام يغالي كثيرا في دور وحجم هذه المجموعات ويسلط الضوء على التجاوزات بشكل كبير، ولكن من قال أن هناك ثورة طاهرة بالتاريخ؟
أليس هنالك خطر على الأقليات في سوريا؟
هل هناك خطر على الأقليات بسوريا؟ نعم هناك خطر محدق بالطائفتين العلوية والشيعية. هذا الخطر أتى من نفس الطائفتين. هم وضعوا أنفسهم بهذا الخطر عندما لم يجدوا أمامهم أي حيلة أخرى للبقاء أسيادا تحت شعار القومية والوطنية والمقاومة، فكشفوا عن وجه طائفي مقيت. وهذا الخطر يزداد اقترابا وملمسا كلما توغل النظام وحلفاؤه في الكشف عن وجه طائفي جديد. وكلما تقاعس أبناء الطائفتين عن التبرؤ من أفعال هذا النظام ورفع الغطاء الطائفي عنه والانغماس حقيقة مع قوى الثورة. وكلما يستمر سكوت العالم عما يجري بل والسماح بما يجري لتحقيق مصالح آنية مؤقتة تتمثل بمقاومة قوى التطرف لبعضها وتدمير نفسها على حساب الشعب السوري وبنيته التحتية وحياة أبنائه. بينما الغرب يكسب بمراقبة أعدائه يدمرون بعضهم,
هذه اللعبة الغربية وإن اعطت بعض الانتصارات المؤقتة للغرب، لكنه بالمستقبل سيدفع ثمنها كبيرا بانفجار المنطقة بوجهه. وهو الذي سيحمل العبء الأكبر بإبعاد النيران عن مناطقه. وتحمل آثار زلزال لن يستطيع التحكم به وبنتائجه.
أما بالنسبة لباقي الأقليات فلا أعتقد ان هناك خطرا يهددهما. ربما تزاد حياتهم صعوبة أو تعقيدا لمرحلة معينة، ولكن هي مرحلة مؤقتة وقصيرة لن تؤثر أبدا على وجودهم أو دورهم في مستقبل سوريا.
لقد حققت الثورة السورية انتصارها المحلي منذ اللحظة الأولى لانطلاقها! وبسبب ممارسات النظام وطبيعته فرض عليها الدخول بمعركة التغيير الإقليمي، وهي الآن وبحكم موقع سوريا في قلب العالم جغرافيا وحضاريا ،تتهيأ لخوض معركة التغيير العالمي, وستنتصر حتما فالأساطير لا تنكسر.