سليمان حسن :
كان جاثيا على ركبتيه ثابتا كتمثال وصت الدخان الكثيف المنبعث من حوله, للوهلة الاولى ظن نفسه احد ابطال هوليود او بوليود يؤدي احد الادوار البطولية في احدى الافلام حين كان البطل يقاتل جيوش الاشرار وحده ويقتلهم جميعا ثم يلوح بإشارة النصر بأصبعيه الصغيرتين نحو الاعلى في اللحظة التي تبين ملامح حبيبته قادمة من بعيد وهكذا ينتهي الفيلم.
الا ان عقله الباطني المليء بالبراءة قد ايقظته من حلم اليقظة هذا كي تنبهه عبر احساس ملئ بالخوف رافض الاستيقاظ ومشاهدة الواقع المرير الذي هو فيه , وتخبره بانه ليس في هوليود او بوليود انت في وطنك وهذه مدينتك وما هذا الدخان الكثيف الذي ملئ عينيك بالدموع , ليست مصطنعا كما تحلم انه منزلك المحترق كمنازل الاخرين وتلك رائحة اللحم المشوي الذي يدخل انفك الصغير ليست قادمة من حفلة شواء انها اجساد والديك وبقية اخوتك اللذين احترقوا مع المنزل
عويل النساء - آهات الجرحى - بكاء الباقين من الاطفال - فظاعة المشهد من حوله , الا ان شدة الصدمة التي اثرت على اذنيه لم تجعله يسمع شيئا سوى الطنين ولا ذاك الدخان الحارق قد سمح له بمجرد الرؤية كل شيء يحدث ببطء شديد وتسجل ذاكرته الوقائع كي يحتفظ بها لبقية حياته انه صمت الصدمة - صمت الدمار - صمت الفاجعة , التي نزعت منه جميع احلامه لن يكون هناك الان اية حدائق كبيرة مليئة بالألعاب كي يرتادها مع اصدقائه ولن يكون لذلك المنزل القديم الذي يملئ جدرانه ذكريات الطفولة ومغامراته الصغيرة اي اثر , مشاريع المستقبل التي كان يخطط لها مع والده قد تلاشت
الحب والحنان و الامان........ باتت جزءا من الماضي
مع آلاف الافكار التي تخترق راسه من جميع النواحي ومع تلاشي ازيز اذنيه و اختفاء حدة الدخان شيئا فشيئا اصبح يستفيق من احلامه ويشعر قليلا بما يحصل امامه
انه ليس حلما انه حقيقة , لا انت تحلم وهذا كابوس مزعج سيختفي بمجرد استيقاظك
عقله وقلبه في صراع الان
الاول يرغمه على العودة لحاضره المشؤوم
والثاني يسحبه معه الى مدينة احلامه والى ماضيه الجميل
ماذا افعل ؟؟؟ ماذا يحدث ؟؟؟ ماذا اقرر ؟؟؟ يتساءل في نفسه ! وهنا تتسارع حدة الاحداث ويختفي تماما ذاك الطنين من اذنيه ويتلاشى ما تبقى من الدخان , مع انه يميل الى قلبه في قرارة نفسه ويتمنى ان يكون ما يراه كابوسا , الا ان الصراخ والبكاء والعويل من حوله تجبرانه على المثول لعقله ويستفيق من حلمه كي يرى ما لا يصدقه احد , يا الهي ما هذا , اين ابي , امي , اخوتي, وهنا يبدأ هو الاخر بالصراخ و البكاء ويقع من على ركبتيه , ثم يأتي جاره الذي نجى من القصف كي ينتشله ويشده على صدره الذي لم يستطع هو الاخر ان يتغلب على دموعه التي انهمرت , فالرجال لا يبكون , كان هذا ما كان يعتقده مسعود قبل الحادثة .
مأساة طفل من اطفال سوريا
selemanhasan@hotmail.com
فيس بوك
http://www.facebook.com/suliman.hasan.16
سليمان حسن
بلجيكا