عائدون بحلة جديدة

موقع قيد الانشاء
مصنف ضمن:

محاضرة للأستاذ محمود خليل بعنوان الدّوغما الفكريّة في مركز "ZELAL" في قامشلو


kl:13,09 26|07|2012 Sawtalkurd
 عرض وتقديم سيامند ابراهيم
http://www.denge-derike.com/images/stories/Reng-u-Reng/mahmud-xelil.jpg
بدعوة من رابطة الكتاب والصحفيين الكرد وفي سهرة  رمضانية ألقى الكاتب محمود خليل محاضرة بعنوان الدّوغما الفكريّة   أو الإرهابُ الفكريُ  مصدر للتخلف: حيث استهل الباحث بحثه بتعريف الوغما الفكرية: هي الاعتقاد أو محموعة من المعتقدات السلطوية التي تعطي لنفسها حق الاثبات ولا تحتاج إلى دليل ولا تقبل التشكيك في صحتها, ومن المستحيل تصور احتمالية خطأها والتي يأخذ بها من قبل الدين, الايدولوجيا, أو أي تنظيم"
ثم دخل إلى صلب موضوعه هذا فقد قسم موضوعه إلى الدغما الدينية, والدوغما الغير دينية,  وشرح جميع مراحل تكوينها في الحالتين,  ثم أسقطها على واقع الشرق الأوسط منوهاً إلى فكرة أساسية وهي أن الشرق الأوسط بعد تفكيكها من الدولة الدينية العثمانية بأسباب خارجية وليس كأوروبا التي تحولت من دول دينية إلى دول قومية متحرر, وفي نهاية المحاضرة كانت هناك العديد من المداخلات حول هذا الموضوع,  ولكي يطلع القارى على كامل البحث أرتأينا أن ننشرها كاملة :
" اصعب السجون هي التي بلا جدران"
اذا لم نفهم بان التحرر الفكري هو الفباء الحرية سيظل مفهومنا ناقصاً
الدوغما الفكرية- الإرهاب الفكري : مصدراً أساسياً للتخلف
الدوغما- كتعريف مبدئي :

"هي الاعتقاد أو مجموعة من المعتقدات السلطوية التي تعطي لنفسها حق الإثبات,ولا تحتاج لدليل ولا تقبل التشكيك في صحتها ومن المستحيل تصور احتمالية خطأها والتي يأخذ بها من قبل الدين ,الايدولوجيا أو أي" تنظيم".United Nations Declaration on the principles of Tolerance
المادة 3 من الفقرة 1 في إعلان الأمم المتحدة العالمي لمبادئ التسامح
 وفق هذا التعريف لا مجال لصح أو خطأ المعتقد والمطلوب تطبيقه والعمل على تثبيته بكل الوسائل  بما فيها وسائل القوة والتهديد المادي كمحاكم التفتيش في أوربا , وحروب الردة وغزوات العرب المسلمين في الشرق,والتهديد المعنوي-التخويف بعذاب ما بعد الموت - لمجرد نقاش المعتقد.
لتسهيل فهمنا للدوغما الفكرية "الإرهاب الفكري" علينا إيضاح بعض الأمور المتعلقة بهذا الاصطلاح:
1- لم يكن بالإمكان استمرار الدوغما الفكرية لولا امتلاك مدعي أفكارها القوة"السلطة" اللازمة لحمايتها والدفاع عنها وفرضها عنوة على المجتمع في كثير من الحالات.
2علينا أن لا نخلط بين المسلمات وبين الدوغما الفكرية.
3للدوغماعدة حالات تتجلى فيها وهي للبحث والدراسة.
أ‌- دوغما دينية Foundationalism تشمل جميع المعتقدات الدينية والخرافات والماورائيات والأساطير.
ب‌- دوغما غير دينية  وتشمل الفلسفة والأحزاب الشمولية والإيديولوجيات السياسية .
 4-الإرهاب  الذي نلاحظه اليوم "قتل المدنيين الأبرياء" ما هو إلا نتاج الدوغما.
5-  بقاء الفرد"الرمز" والمجتمعات الذكورية وعبادة الفرد أيضا هو امتداد للدوغما الفكرية.
السؤال الذي قد يتبادر إلى أذهانكم أيتها السيدات والسادة .
لماذا طرح هكذا موضوع في وضعنا الراهن  وما الفائدة ؟
 نعم يُطرح اليوم الكثير من المواضيع – السياسية و الثقافية و الأدبية  وجميعها تلبي جزءاً من حاجات المجتمع الروحية, إن ما نعانيه من تخلف اجتماعي و سياسي و اقتصادي لهو ناجم عن غياب الفكر التحرري . بحثنا اليوم له صلة وثيقة بذلك و يعتبر الجذر الأساسي لمشكلاتنا المعاصرة من تخلف اجتماعي و اقتصادي.  لست بصدد بحث أكاديمي عن الدوغما- "الارهاب الفكري"فلها أصحابها - بقدر المحاولة في جعله  مدخلا للبحث عن جذور التخلف وآلية نشوء الدكتاتوريات والتنظيمات الشمولية, وعبادة الفرد والقيود الفكرية التي وضعها الإنسان "الفرد" على نفسه وكيفية التحرر منها.
الجذور التاريخية للدوغما الفكرية – الإرهاب الفكري –
في البداية كان الإنسان ذلك الحيوان المفكر المختلف عن أقرانه و أثناء تطوره الإدراكي و صراعه مع الطبيعة لاستمراره في البقاء, اخذ يبحث عن أجوبة لأسئلته العديدة – عن السماء- الموت- سر الحياة – و هذه كانت بداية الفلسفة,الخوف كظاهرة طبيعية مرافقة لطبيعة الإنسان البشرية , وقد واكبت تلك التفسيرات و التطمينات الروحية هاجس الخوف لدى الانسان البدائي, يقول وول ديورانت في قصة الحضارة ج 1 ص 54 "تعاونت عدة عوامل على خلق العقيدة الدينية، فمنها الخوف من الموت، ومنه كذلك الدهشة لما يسبب الحوادث التي تأتي مصادفة أو الأحداث التي ليس في مقدور الإنسان فهمها، ومنها الأمل في معونة الآلهة والشكر على ما يصيب الإنسان من حظ سعيد، وكان أهم ما تعلقت بها دهشتهم وما استوقف أنظارهم بسره العجيب هما الجنس والأحلام، ثم الأثر الغريب الذي تحدثه أجرام السماء في الأرض والإنسان؛لقد بهت الإنسان البدائي لهذه الأعاجيب التي يراها في نومه، وفزع فزعا شديداً حين شهد في رؤاه أشخاص, أولئك الذين يعلم عنهم علم اليقين أنهم فارقوا الحياة".انتهى كلام ديورنت.
إن الميثولوجيا "الارواحية" و فكرة الآلهة بدأت  بالظهور مع ذلك الإنسان القديم,وهنا أورد مقطعاً من كتاب "الطوطم والتابو"  لفرويد على لسان طبيبه ماركس شور : "يرى فرويد أن الأرواحية بحد ذاتها ليست ديناً، لكنها تتضمن الشروط الأولية التي عليها قامت الأديان فيما بعد, كذلك الأساطير قامت على مقدمات أروا حية, ولم يتوصل الإنسان الأول إلى نظرته الأرواحية، وهي أولى النظريات التي وضعها لفهم العالم،ليس بسبب حب المعرفة، بل بدافع الحاجة والرغبة في السيطرة على محيطه. وقد أضفى الإنسان البدائي على رغبته قوة سحرية يمكن التحكم بمفعولها عن طريق عدد كبير من الممارسات الرمزية, السحر والشعوذة ساعداه على إنكار عجزه في وسط مليء بالأخطار. هذا هو نمط التفكير الأرواحي الذي يسميه فرويد "طغيان الأفكار" بناء عليه صاغ فرويد أحد مكتشفاته الأساسية، وهو الفرق بين الواقع النفسي والواقع الفعلي، مما سمح له بأن يقيم جسراً بين العمليات النفسية للعصابيين (العمليات الإكراهية) والتفكير السحري لدى البدائيين " انتهى كلام فرويد."11"
 كما أن حضارة السومريين منذ الالف الرابع قبل الميلاد تطلعنا على بدايات تشكيل الآلهة بدءاً من الثيران و مروراً بآلهة الأرض 1(gi) و السماء (an)2-  الهة السومريين(انليل) وتعددت الآلهة  فيما بعد مثل- آلهة الحب و المطر – وفي الألف الثاني قبل الميلاد بدأت تزدهر الحضارة البابلية "وريثة الحضارة السومرية" فكانت أسطورة التكوين السومرية أساسا لمثيلتها البابلية التي أعادت بناءها وأضافت عليها لتكتمل في صورة ملحمة التكوين البابلية الإنوما إليش التي دونت قبل 1800 عام قبل الميلاد وقد وجدت موزّعة على 7 ألواح فخارية ,وكان ذلك أساساً لظهور الديانات التوحيدية الثلاث وانتشارها إلى بقية أنحاء العالم,نلاحظ هنا هذا التصاعد  في المثولوجيا من التعدد إلى التوحد قد واكب مثل الظل المرافق النظم المجتمعية بدءا من البطون البشرية المتناثرة إلى أقوى الامبراطوريات."1"

إن ظهور الآلهة كانت الأجوبة المرحلية لتلك الأسئلة و مع تطور المجتمعات تبدلت الأسئلة و الأجوبة معاً و تخلل- في فترات تاريخية- إشكالية قبول التجمعات البشرية لتلك الأجوبة و خاصةً عندما كانت لا تلبي استفسارات الإنسان ,وهنا تبدأ فرض الأجوبة بالقوة  وخاصة حين ربط الحاكم تلك الأجوبة مع الله ,عندها أخذت صفة "الدوغما"أجوبة مصدرها الله المقدس الذي لا يقبل الجدل والدحض والبسوا تلك الأجوبة بهالة كبيرة من المفاهيم الغيبية- جهنم , العذاب الجنة ,القيامة, الخ.
و بما أن الأجوبة على مر العصور كانت تأتي من مصادر القوة (السلطة ) ممثلي و مدعي الإلهة, فأنها "السلطة" استعملت كثيرامن العنف لفرض ايدولوجيتها على الناس.
إن العلاقة بين المقدس والسلطة تداخليه مركبة على مدى العصور, أحيانا كانت الإلهة تتقمص في شخصية الحاكم (يهوى الفراعنة ),وأحيانا يصبح الحاكم له علاقة مباشرة مع الإله(الملك داوود ) وأخيرا تجلى في الحاكم الذي دخل وسيطاً بينه و بين الإله (محمد) والان في عصرنا هناك من يدعي العصمة"ولاية الفقيه" وعالمي الغيب وربانيون...الخ.
ما هو المعاش في حياتنا اليومية من الإرهاب الفكري المركب لهو حقا امتداد تاريخي تراكمت عبر الآلاف السنين من الموروثات الثقافية والعقائدية والتي تحولت مع الزمن إلى عادات ائتلفت عليها الناس وأصبحت جزءا من ثقافتها وأحيانا تتباهى بها,وتقف أحيانا ضد من يحاول تحررها منها فأصبحت كالجينات في خلايانا,وعبر مئات السنين,أحيطت بنا حلقات فولاذية وتمنعنا من التحرر الفكري ,أصبحنا اسري معتقداتنا التي ورثناها من الماضي والتي هي في معظمها بعيدة عن الحقيقة والعلم,يقول وول ديورانت في قصة الحضارة  ج1ص63 " إن تاريخ المَدنية ليعلمنا في كل خطوة من خطوات سيره، كم تبلغ قشرُة الحضارة من الرقة والوهن، وكيف تقوم المدنية على شفا  جرف هارِ فوق قمة بركان لا يخمد سعيره، من وحشية بدائية وخرافة وجهل مكبوت، إن المدنية العصرية ليست سوى غطاء وضع وضعاً" ,انتهى كلام وول.
 إن البشرية لا تزال تحبوا ولم تصل بعد إلى مرحلة النضج,لازالت هناك الكثير من الخطوط الحمراء لا يمكن إن يتجاوزها الإفراد من رهبة "الثقافة الجَمعية"المدعومة من رجال الدين المحصنين من السلطة.
يمكننا جميعا إن نتهامس فيما بيننا عن جميع القضايا ولكن لا يسمح لنا البحث فيها علانية  .
إن شرقنا المكبل بالإرهاب الفكري لم يتأثر بالثقافة الغربية مطلقا,لقد اخذ منه كل احتياجاته المادية "الملذاتية" وحارب تلك الثقافة التي صنعت تلك الماديات ,وقد كانت تلك الفرصة التاريخية الوحيدة لشعوب الشرق من الاستفادة ومن النقلة النوعية التي حصلت في الغرب إبان الثورة الفرنسية.

إن السبب الرئيسي الكامن وراء عدم لحاق منطقتنا بركب الحضارة الديمقراطية المعاصرة  هو التجذر الديني ونوعيته,
 لقد واكب العنف العقائدي جميع مراحل اليهودية والمسيحية والإسلام وهذا الأخير استعمل العنف منذ البداية لفرض معتقداته وفي جميع مراحله التاريخية,الأموي ,العباسي,الأيوبي, العثماني, الآن السلطة الدينية قائمة في كثير من المناطق وتعيش في كنف ورعاية السلطات الدكتاتورية في مناطق أخرى,والجانب الأخر تكمن في تكبيل الفرد بمجموعة هائلة من الطقوس والالتزامات الضرورية "تحت طائلة المسؤولية الإيمانية"مثل الفرائض  اليومية كالصلاة والأسبوعية "صلاة الجمعة" والسنوية"صوم رمضان" والعمرية"الحج " والكثير الكثير من واجبات المسلم,الأذكار عند النوم,وتفسير الأحلام والتقيد بالسنة النبوية في الشاردة والواردة ,نستطيع القول إن الفرد المسلم والمتحول الهجين في هذه البلاد أصبح تائها وضائعا في صحارى مجهولة الجهات,يعيش ليحيا لا يحيا كي يعيش.
 شعوب تقودها الأموات, وهذه الإحياء الميتة أصبحت بالتالي الأرض الخصبة والمناخ الجيد لصعود الدكتاتوريات- لأنها "الشعوب" أصبحت جاهزة ومروضة على السمع والطاعة- مدجنة خاوية من الاستقلالية الفكرية – لا تستطيع  يوماً واحداً العيش دون "طوطم"3,بفضل المدارس الدينية التفريخية, فأُلزم على إطاعة الوالي ولو كان جائراً وفاسقاً "عند أهل السنة"4 ويموت ميتة جاهلية دون إمام"حاكم" له"عند الشيعة"5 وأصبح الدين ضروريا للحكومات التسلطية لا من اجل الفضيلة ولكن لغرض السيطرة على الناس.
ولذلك نرى الجماهير تتعلق بالرمز أكثر ما يهم من الأفكار, لأنها اعتادت على الولاء,الشعار الوطني للمملكة السعودية والأردن هو ,الله الملك,الوطن وقد تقدم اسم "الله" في الأول على استحياء للضرورة العصرية وإلا فإنهما مفردتان في معنى واحد أي الوطن وما تحتويه من الرعية تتبع الراعي الأول"الملك المتوج بالمقدس".
إسقاطات الدوغما الفكرية"الارهاب الفكري" في الشرق الأوسط
إن تفكيك الدولة الدينية العثمانية أتت بفعل خارجي"الحرب العالمية الأولى" في بداية القرن الماضي وليس نتيجة صراع بين الفكر التحرري وسلطة الدين اللاهوتي كما حصل في أوربا والذي توج هذا الصراع بالثورة الفرنسة ونجمت عنها- فصل الدين عن الدولة - كخطوة صحيحة أولية, فتحت الطريق أمام التقدم الهائل الذي تنهل البشرية جمعاء الآن من انجازاته العلمية والمعرفية, الكثير من السعادة والرفاه.
إن الفكر القومي (التركي,العربي والفارسي) عند استلامها السلطة السياسية في بداية القرن الماضي في المنطقة ,عملوا على إقصاء الفكر التحرري العلماني بشكل منهجي, بالإضافة إلى محاربة خصومهم الإسلاميين ( وهم اللذين خرجوا من حاضنته للتو) في البداية حتى يتسنى له الإمساك بالسلطة,وفيما بعد بدأ الغزل والزواج القوموي والإسلاموي على شكل عقد قران ابدي لم ينفصلا حتى الآن ولا ينفصلان إلا بموتهما معاً .

 إن الموروث الثقافي التراكمي للمجتمع الإسلامي قد شكل الحاضن الرئيسي للفكر القومي" التركي , العربي والفارسي والكوردي" بالخاصية الازدواجية والانتهازية ,وشكل بداية سيئة لمسار التحرر الفكري في المنطقة .
إن الفكر القومي الكوردي قد اتخذ منحى آخر مختلف نسبيا, حيث توجه نحو العلمانية الشكلية كردة فعل ولم ينأى بنفسه أيضا من حمله بذرة الدكتاتورية الفردية واتخاذه  السياسة والقومية وسيلة للوصول إلى السلطة والمنفعة الشخصية,ولم يبخل ايضا من الوقوف بالضد أمام انبعاث الفكر التحرري,وقد اتخذ جميع احزابها قالب نظامها الداخلي من الأحزاب الشمولية" كأمتداد للفكر الشمولي للمنطقة في فترة المد الشيوعي على قاعدة :"المركزية الديمقراطية" لذلك طغى عليها سيطرة الفرد تحت اسم -الأمين العام  السكرتير الأول-
إن الفكر القومي عموما جاء هجيناً مشوباً شوفينياً تحمل في طياتها بذور صعود الدكتاتورية والفكر الشمولي الدوغمائي ومتماشياً مع مصالح الدول الغربية أكثر من أن تكون تعبيراً طبيعياً تحررياً لشعوب المنطقة , ولم يفترق أو يتجاوز الموروث القديم المتخلف أبداً, بل اختلف عنه من حيث الشكل,نستطيع أن نقول حدث تغير للرؤؤس ولم يحدث تغير للعقول,   فبقيت المدارس الدينية تنتشر على طول البلدان وعرضها, وكذلك التجمعات الصوفية , والحسينيات والتكيات , وشيوخاً ومريدين وحفلات الموالد وشد الشعر وضرب الظهور بالسلاسل الحديدية والعمائم السود والبيض , وكلا له  مريديه  وإتباعه البلهاء ,على مستوى الرسمي بقيت السلطات القومية مرتبطة بالمنهج الديني ,حيث بقي اسم وزارات الأوقاف في بلدانها  كما هي و ظلت اسم - رعايا جمع رعية- الجمهورية الفولانية , والمحاكم الشرعية , ودار الفتوى, وضرب المدفع على الطريقة العثمانية في شهر رمضان  وسجن كل من يرى مفطراً في شهر رمضان القمري , وانتعشت المؤسسات الدينية برعاية ومباركة هذه السلطات , عدا مكبرات أصوات المساجد التي تمتزج أصواتها مع أصوات مكبرات أصوات المدارس حيث الأناشيد التي تغني بطولات الدكتاتور وتدعوا التلاميذ الولاء له , هذه السيمفونية الغريبة تصلح أن تكون الموسيقى الاحتفالية للزواج الفكر القوموي والاسلاماوي .
إن تأسيس جامعة الأزهر بالقاهرة جاء قبل تأسيس جامعة السوريون بباريس بحوالي مائتي سنة أي في 972 ميلادي , وكان أساتذة الجامعتين يستخدمون الوسائل البدائية نفسها للوصول إلى جامعتهم "الركوب على الدواب" الآن انظر إلى وضع الجامعتين من جميع النواحي وانجازاتهما خلال العشرات السنين من تأسيسهما , والذي يدعو للدهشة... حيث تخرج من الأزهر آلاف الحكواتيين ورواة قصص خرافية وناس مستهلكين يعيشون على التسول وأكل أموال الناس مقابل الكذب والظاهرة الصوتية ... بينما اتخذت السوربون منحى آخر مختلف تخرج منها ألاف العلماء ومصممي طائرات الايرباص وعلماء أفذاذ في شتى مجالات الحياة أفادوا البشرية وساهموا في تقدمها الحضاري.

 إن القومويين وخاصة العرب أخذوا فكرة - وراثة الحكم- في الممالك , الإمارات, السلطنة و الملكية,أخذوها من التاريخ السالف، من الأمويين,العباسيين والعثمانيين ,وطبقوها دون صعوبات تذكر .
وكون الحاضنة الإسلامية لازالت موجودة بفضلهم ومساعيهم, نرى تماديهم في البذخ واستحواذهم على كامل مقدرات الشعوب ومصادرة حرياتهم , فهم يقلدون الماضي بكل سماته وإسراره وكأن ملوك بني أمية وبني العباس وبني عثمان قد خرجوا من قبورهم من تو,...الم يكن صدام"الحفرة" أشبه بابي العباس السفاح وأبي جعفر المنصور ,والذي سمى نفسه"جعفر" سلطانا بأمر الله,( عن إسماعيل الفهري قال:سمعت المنصور في يوم عرفة على منبر عرفة يقول في خطبته : أيها الناس إنما أنا سلطان الله في أرضه أسوسكم بتوفيقه ورشده وخازنه على فيئه أقسمه بإرادته وأعطيه بإذنه وقد جعلني الله عليه قفلا إذا شاء أن يفتحني فتحني لإعطائكم وإذا شاء أن يقفلني عليه أقفلني (.
 ألم يعمل صدام الحفرة ذلك وزاد عليه بعدد الجواري والخدم والغلمان , حتى وصل الأمر بابني صدام إلى اخذ بنات ونساء القوم عنوة وتعاملا معهن بشكل سادي الم يعمل صدام توثيق صلته بالنبي محمد, نعم التاريخ يكرر نفسه وهل فارق هزازي الرؤؤس "رجال الدين"يوما ما عنهم .
 إنهم صور ممسوخة عن الماضي , وقد تمادى رموز الفكر القومي كثيراً, حتى وأثناء طغيانهم وجبروتهم واستعلائهم على الشعوب,جعل هذا الحاضن -الإسلامي- يتستر عليه بل في كثير من الأحيان ,وقفوا ضد المحتجين والمتذمرين ويخرجون بفتاوى,عن طريق لجوئهم للقرآن والسنة بضرورة طاعة الوالي,حتى لو كان هذا الحاكم فاسقا تحت ذريعة وحدة الأمة وغيرها من الترهات .
  الدكتاتوريون القوميون اخترعوا قضايا وهمية شرعنوا من خلالها استعبادهم تلك الشعوب وسبب بقائهم في السلطة بهذا الشكل , لذلك نرى القومويين السلطويين كانوا دائماً يجلبون أصحاب العمائم والملتحين إلى جوارهم , هذا التوليف والتكييف بين الفكر القومي والفكر الديني لم ينفصلا منذ البداية , هذه المعادلة شكل فجوة عميقة في المجتمع لخروج التنويريين وأصحاب الإبداعات الفكرية الحرة إلى السطح .

 إن خواء الساحة من التنويريين والمثقفين أمثال  عمانويل كانط وفيثاغورث وديكارت وليوناردو دافنشي - الذين حملوا الفكر التحرري -ناجم بكل تأكيد من هذا الزواج غير المقدس وغير المبارك , الشعوب الشرق أوسطية, من عرب وكورد وفرس وترك,وغيرهم, تعيش مأساة فكرية وفلسفية بالدرجة الأولى واقتصادية  واجتماعية , بالدرجة الثانية و تشوب مستقبلها الكثير الغموض والريبة .
إن الانتفاضات الجارية الحالية والتي تدعو للكثير بالفرحة والسرور, إلا أنها ليست النهاية لمآسي الشعوب المقهورة  فاندحار القوميين" الفكر القوموي" ليس نهاية المطاف.
  إن بقاء هذا الحاضن التاريخي للمورث الثقافي الثقيل والذي أثقل كاهل الشعوب, بدأ ممثليه القديمين الجدد يخرجون برؤؤسهم من الكهوف المظلمة , ويتطلعون بافتراس كالذئاب , كي ينقضوا على فريستهم ويستغلوا الحراك الجماهيري المنتفض بعفوية , الآن في مصر هناك تقهقر مرحلي يحصل بجلاء كمثال.
نعم تهشم الفكر القومي نوعاً ما وذلك بتحطيم رموزها وإسقاطها , والمعركة المصيرية الكبرى للشعوب هو الخلاص من الفكر ألظلامي ألكهفي الخرافي  الذي, يعتبر, رأس البلاء والمصائب في المنطقة .
 الدوغما غير الدينية
قلنا سابقاً هناك دوغما غير دينية  تشمل الفلسفة والأحزاب الشمولية والايديولوجبات السياسية .
سنأخذ الأحزاب الشمولية كمثال.
النظام الشمولي أو الشمولية : كتعريف هو"نظام سياسي يسيطر فيه حزب واحد فقط على الحياة السياسية في الدولة ولا يسمح بوجود معارضة أو تداول سلمى للسلطة, يقول الباحث الايطالي ' Emilio Gentile'  الشمولية يُفهم:بأنها:" تجربة هيمنة سياسية تقودها حركة ثورية مكونة في حزب عسكري التنظيم, يستجيب لمفهوم سياسي أصولي, يهدف لاحتكار السلطة, ويعمل بعد استلامها, بطرق غير شرعية, لهدم النظام السابق عليه أو إعادة صياغته, ويقيم دولة جديدة, مؤسسة على الحزب الواحد. وتقوم هذه الدولة الجديدة بالسطو على المجتمع, لإخضاعه أو إدماجه أو مجانسته".
 والشمولية صيغة استبداد ظهرت في القرن العشرين, وهي منحدرة من الفاشية, ففي الدولة الشمولية لا يوجد الفرد ولا يُعرف إلا من خلال علاقته بالمجموع " الشعب" أو"الأمة", وتصبح الدولة مطلقة وموضوع عبادة حقيقية, ويتم عسكرتها لتأمين الإرهاب والتمكن من الهيمنة على الأفراد.  " وهى ترتبط ارتباط وثيق بوجود نظام بوليسي قوى يعتمد على القمع والإرهاب حتى يصل إلى حد التدخل في الشئون الخاصة للأفراد ويمنع حرية التعبير عن الرأي بحيث يتم السيطرة تماما على وسائل الإعلام وكافة النشاطات السياسية.
إن العلاقة بين الشمولية والدوغما هو فرض نظام سياسي معين على مجتمع ما بالإكراه ولا يسمح أبداً بنقد أو انتقاد أي جانب من جوانب هذا النظام وقد لوحظ في ممارسة الأحزاب الشيوعية في أوربا الشرقية السابقة والنازية الألمانية والفاشية الايطالية والكمالية في تركيا وحزب البعث العربي بفرعيه العراقي والسوري وكذلك بدرجات متفاوتة في أحزاب الاشتراكية الدولية والماوية الصينية.
لقد مارست الأنظمة الشمولية "الشيوعية"الإرهاب الفكري وتلتها الإرهاب العضوي في عدة بلدان في العقود الماضية مثل بولندا وبنما وتشيلي وبورما والصين والاتحاد السوفيتي السابق وغيرها وسببت الدمار والتخلف,  الحقيقة المرة,نستطيع القول إن الأنظمة الشمولية والدكتاتوريات لم تخلف وراءها سوى الدمار والتخلف.

إن هذه الأنظمة لا تسمح بالانتخابات, خشية حدوث تغيرات سياسية هامة, بل تقوم بأجراء استفتاءات لتظهر وكأنها ديمقراطية/مثال الأحزاب الشيوعية التي حكمت السوفيت وبلدان شرق أوربا وبعض دول أمريكا اللاتينية وحزب البعث في كل من العراق وسوريا,وهذه الاستفتاءات كانت شكلية للحصول على موافقة الناس على مرشحين اختارتهم تلك الأنظمة بعناية فائقة,وكانت بعض هذه الأحزاب تلجئ أحيانا إلى احتضان بعض الأحزاب المختلفة تحت عباءتها لتلاءم  مع عصر الديمقراطيات الغربية "مثال الجبهة الوطنية التقدمية في سوريا" وتعطي صورة مشوشة للخارج والداخل.
إن بقاء واستمرار الأنظمة الشمولية في الوجود يعتمد أساساً على التوزيع الداخلي للسلطة في البلاد التي تحكمها ,فالسكان والمجتمع لا يشكلون خطراً محدقاً بسبب ضعفهم ,لأن ثروة البلاد ومراكز قوتها في أيدي حفنة من الناس.
يقول الباحث الكوردي جان كورد:"إن النظم الدكتاتورية ذات طبائع غريبة عن الإنسانية وهي لا تكتفي  بالعيش كالديدان التي تمص دماء البشر بل تقوم بالتقتيل والتعذيب وممارسة الإرهاب الأسود بالأسلحة الكاتمة للصوت,واختطاف المواطنين وتعذيبهم حتى الموت- ثم إلقاء جثثهم إلى الكلاب وبتفجير عرباتهم وهدم بيوتهم على رؤؤسهم ومطاردتهم في العالم الخارجي"6.
الارهاب العضوي المعاصر
 ليست ظاهرة حديثة كما يتوهمها البعض فهي قديمة وعلاقتها بالارهاب الفكري وثيقة ونتيجة لها , ظلت اثارها محدودة قديما لعدم توفر الوسائل المساعدة لتوسيع الضرر بالآخرين. أصبح الارهاب الآن  عالمياً بسبب وقف باب "الاجتهاد"عند المسلمين بشكل خاص و بحكم التراكم الهائل من الموروث الخاطئ وتناقضه مع  التقدم الهائل الذي يحصل في العالم كل يوم ويحتاج موضوع الارهاب إلى بحث خاص يتضمن عوامل نشوؤه وأخطاره وسبل التخلص منه كظاهرة خطرة على قيم البشرية الحضارية.
التخلص من الإرهاب الفكري.
يقول الفيلسوف الالماني عمانوئيل كانط قبل مائتي عام عن الارهاب يقول:"اردموا مستنقع الارهاب أولا ثم يأتي مرحلة القضاء على ما تبقى من بعوضه"
إن التحرر الفكري هو من أصعب المهام الذي يقع على عاتقنا نحن أولاد هذا الشرق .
يأتي التحرر من "المقدس" واللاهوت عبر دراسة نقدية دون جلل أو هاجس ,إن الدماغ يعمل بشكل لا إرادي فأطلق عنانه للبحث والجري وراء الحقيقة دون أسبقية في مواضيع البحث.
إن المورثات والأفكار الخاطئة والد وغما الدينية هي مسممة لصفاء الفكر كما الطعام الرديء يسمم المعدة.
إن التحرر من الدوغما الدينية يعتبر جانبا من التحرر الفكري, فهناك العادات والتقاليد التي تحد من التحرر الفكري, فلا بد من التحرر منها رغم الصعوبة.
إن التحرر من" التعصب الجنسي" يأخذ حيزاً من التحرر الفكري أي أن يتخلص الإنسان الذكر وعيوياً من كونه ينتمي إلى الذكورين فقط ونظرته للأنثى لطبيعتها الأنثوية فقط ,وان ينظر الاثنين الذكر والأنثى لعقول بعضهما البعض كذوات مختلفة فيزيولوجيا وموحدة إنسانيا,وليس كأفراد من فريقين متصارعين متضادين.
المتحرر هو يشبه ذاك الطفل الذي لا يعرف الحقد والكذب والدين والجنس واللون  والعرق وهي من أهم تجليات التحرر الفكري.
كما أن التحرر من الفكر القومي الشيوفيني هو جانب مهم من التحرر الفكري أيضاً.
 جميع الناس متساوون في حق العيش بالكرامة والحرية وكذلك الشعوب والأقوام المختلفة,لا يوجد شعب أفضل من آخر,لكل شعب صفاته الذي يميزه عن غيره,وتكًون وفق بيئة حضارية وجغرافية معينة .
إن حرمان أي شخص و أي شعب التمتع بحريته وحقه في العيش كباقي الشعوب يعتبر "إرهابا فكريا"محضاً,لذلك جاء مقولة أحد المفكرين بهذا الصدد"إن قوماً يضطهد قوما آخر ليس متحرراً" وبناء عليه إن تحرر لشعوب العربية والتركية والفارسية منوط اليوم بتحرر الشعب الكوردي والامازيغي وبقية الشعوب والأقليات الأخرى.
وفي الختام، الدوغما الفكرية هي عكس العقلانية والتفكير العلمي ولم يعد هنالك مجال للإطلاق في المعرفة ضمن عالم مليء بالنسبـية ، الاعتقادات الدوغمائية مرفوضة وخطيرة تؤجج النزاعات و توقد التطرف و تنتهي بالعنف، إن خطر الفكر الدوغمائي ليس بالاعتقادات والأفكار التي تحتويه وإنما الخطر يكمن في فرض هذه الأفكار والمعتقدات بالإكراه والعنف ولم يعد هذا مقبولا أبدا أمام الاكتشافات المذهلة في العالم والتي دحضت الكثير من أفكار ومعتقدات الدوغما,لقد كانت البشرية تؤمن يوما ما بسطحية الكرة الأرضية, الآن لم يعد هناك من يعتقد بذلك  ,وهناك أمثلة عديدة,ليس هناك ما يدعو الحد من النقد والبحث التجريبي في جميع العلوم سواء أكان متعلق  بالدين أو بالفلسفة والعلوم التطبيقية للمادة .
إن الاكتشافات التي حصلت في المجال الطبي في القرن الماضي على سبيل المثال -.اكتشاف البنسلين والصادات الأخرى واللقاحات المضادة للكثير من الإمراض والوبائيات التي كانت تفتك بالبشر في العقود الماضية ,والتي كانت تعالج عن طريق الشعوذة وتعذيب المرضى بحجة طرد الأرواح الشريرة ,الآن أصبح جزءا من الماضي وثبت بطلانها.

الهوامش

1- -سفر التكوين السومريين موقع الإله والأساطير
2 - ويقول الإمام أبو عبد الله جعفر الصادق ( 80 - 83 ه‍/ 699 - 703 م - 148 ه‍/ 765 م ) : إن الله - عز وجل - أعظم من أن يترك الأرض بغير إمام عادل ، إن زاد المؤمنون شيئا " ردهم ، وإن نقصوا شيئاً " أتمهم، وهو حجة الله على عباده - الإمامة عند الشيعة الإمامة-عن الشبكة العالمية للشيعة.
4-قل ابن حجر رحمه الله الإجماع على عدم جواز الخروج على السلطان الظالم : فقال قال ابن بطال :د((وفى الحديث حجة على ترك الخروج على السلطان ولو جار وقد اجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه وأن طاعته خير من الخروج عليه لما في ذلك من حقن الدماء وتسكين الدهماء)) فتح الباري 13/7 ونقل الإمام النووي -رحمه الله - الإجماع على ذلك فقال في ((وإما الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين وإن كانوا فسقه ظالمين وقد تظاهرت الأحاديث على ما ذكرته واجمع أهل السنة انه لاينعزل السلطان بالفسق....... )) شرح النووي 12/229
5-تعريف الطوطم: في العادة هو حيوان مسالم يؤكل لحمه..و قد حرم أكله مع الأزمنة..فيصبح لدى الإنسان خوف من مس هذه الحيوانات- تعريف فرويد.






جميع الحقوق محفوظة @ 2015 صـــوت الكـــــورد sawtalkurd .

التصميم من قبل Sawtalkurd | ألوان