حينما ظهرت على الفيسبوك خلال شهر سبتمبر من العام الماضي صور لمدرستين سوريتين تقومان بعقاب مجموعة من الأطفال الصغار بلوح خشب طويل، اشتعلت عاصفة من الغضب في عالم المدونات السورية، سرعان ما أخذت وسائل الإعلام الرقمية تلك الصور وتبعتها الصحف السورية العادية وحتى وسائل الإعلام الدولية. وبعد مرور شهر قالت السلطات السورية إن المدرستين تم تحديد هويتهما ونقلتا بالتالي لشغل وظائف أخرى بعيدا عن الاتصال المباشر بالأطفال رقابة صارمة في سوريا ما تزال وسائل الإعلام التقليدية تحت رقابة صارمة، مقابل غياب التشريعات المتعلقة بوسائل الإعلام الرقمية. وهذا ما يجعل الكثير من الصحافيين السوريين يقبلون على النشر الرقمي وقول ما لا يمكن قوله عبر وسائل الإعلام الأخرى الخاضعة للرقابة الذاتية أو الرقابة الحكومية. وما يزال السجن في انتظار من يذهب بعيدا جدا في نقده للسلطات. غير أن الإنترنت، رغم كل شيء، توفر المجال للصحافيين لتناول بعض القضايا المحرمة، ولو بشكل حذر، مثل الجيش والأجهزة الأمنية. "الانترنت هي كل ما بقي لنا من حرية"، يقول خالد الختيار وهو صحفي سوري مستقل. والسؤال هو: إلى متى سيبقى هذا القليل من الحرية في سوريا قائما؟ في الوقت الراهن هناك مشروع قانون يخص وسائل الإعلام الرقمية ينتظر الموافقة الشكلية من قبل البرلمان. تقول الحكومة السورية إن القصد من هذا القانون هو تنظيم وسائل الإعلام الرقمية وحماية الصحفيين الرقميين مثلما يحمي القانون نظرائهم في وسائل الإعلام المطبوعة. لكن صحفيي الإنترنت يخشون من أن يكون القصد من هذا القانون هو إسكات أصواتهم. حملة على الانترنت "أصيبت الحكومة بالجزع من تأثير الحملة حول المعلمتين وغيرها من الحملات عبر الإنترنت مؤخرا"، يقول خالد. "لذلك تحاول الآن السيطرة على زمام الوضع". كل من يتجاوز الخطوط المرسومة، سواء من صحافيي النت أو غيرهم، يتعرض للترهيب أو، في أسوء الأحوال ، يدان بموجب قوانين مطاطة تجرم على سبيل المثال كل من يتطاول على "الأخلاق الوطنية ". أكثر من 240 موقعا على الشبكة العنكبوتية تم حجبها من قبل مختلف الدوائر الحكومية. وبدلا من أن يوفر مشروع القانون الجديد حماية للصحافيين، فهو يمنح سندا قانونيا لمتابعتهم، بحسب خالد الذي يتوفر على نسخة من القانون الذي ما يزال سريا. "مواقع الأخبار – ماذا يقصد بها بالضبط غير واضح وقد يشمل أيضا المدونات – تقتضي الحصول أولا على تصريح رسمي تسحبه الحكومة في أي وقت تشاء إذا وجدت أن 'أمن الدولة' أو 'المصلحة الوطنية' في خطر. هذا مجرد تقنين للرقابة". يشير خالد إلى نقطة أخرى مهمة وحساسة وهو تعلوه ابتسامة ساخرة: على كل صحفي على الإنترنت أن يكون عضوا في نقابة الصحافيين. "مثل هذه النقابة يسيطر عليها العاملون في وسائل الإعلام الرسمية وبالكاد تسمح لصحافيين تابعين لوسائل الإعلام الخاصة بعضويتها حتى ولو كان لديهم الحق في ذلك. أشك في ما إذا كان صحفيو الإنترنت يحصلون على بطاقة الصحافة بموجب هذا القانون". وفي حالة عدم حصولهم على البطاقة يكونون عرضة للعقاب من الناحية النظرية ويتم توقيفهم. "ولذلك فهذا القانون عبارة عن مجموعة من العقبات يمكن للحكومة إشهارها في وجه الصحافيين الذين لا ترضى عن أعمالهم"، كما يقول خالد . زرع الخوف هراء، تقول الحكومة: لا يمكنك السيطرة على الإنترنت وهذا أيضا ليس في نيتنا. نحن نريد أن نساعد الإعلام الرقمي على التدبير الاحترافي والتصدي لحملات التشهير على سبيل المثال والوقاية منها – لاسيما أن شبكة الإنترنت في سوريا يقبل عليها هواة لا يتحققون من المعلومات ولا يتعاملون بقاعدة الرأي والرأي الآخر. بعض الصحافيين، مثل مصطفى السيد الذي يعمل في الصحيفة الخاصة الوحيدة في سوريا – يملكها أحد أقارب الرئيس – يعتقدون أن هذا القانون شيء جيد. "ربما يشعر الصحفيون بعدم الارتياح، نعم"، يقول مصطفى ويضيف قائلا: "لكن هذا يعني أنه سيجعلهم يتريثون حتى لا يقعوا في أخطاء. ينبغي تنظيم وسائل الإعلام على الإنترنت وإلا فسيصبح غابة. وهذا القانون أفضل من لا شيء".لكن خالد يفضل لا شيء. "مناخ إعلامي صحي يخلقه النقاش العام، وزرع الخوف لا يؤدي إلا إلى الرقابة الذاتية. نحن الآن وحدنا في المواجهة وبهذا القانون تسوء الأمور أكثر".
رمكو أندرسن - إذاعة هولندا العالمية
رمكو أندرسن - إذاعة هولندا العالمية